قصة مذكرات امرأة عاشقة



صفحة من مذكرات امرأة عاشقة
(1)
........ اللقاء .........

لم تكن تدرى و هى تكتب له كلماتها الأولى أن تجربتها معه ستترك كل هذا الأثر فى قلبها .. لم تكن تتخيل عندما رأته لأول مرة أن القدر يخبئ لها كل هذا الألم .
جذبها اليه هدوءه و نظراته العميقة التى تمر عليها فلا تكاد تتوقف عندها .. استمعت اليه بشغف و هو يتحدث بحماس فيشرح الأحداث و يحللها , ثم يبسطها فى سلاسة آسرة .. أخذ ينطلق من موضوعٍ لآخر فى رشاقة ليربط الموضوعات ببعضها البعض لتتضح فى النهاية صورة لم تكن واضحة من قبل .. كانت كلماته تخرج مُنمّقة مُرتّبة و كأنها معزوفة موسيقية ..
كان حديثه يمس أوتاراً فى قلبها لم تسمع لها صدىً منذ عهدٍ بعيد .. انتظرت أن يطلب رقم هاتفها أو يحاول التعرف عليها , و لكنه لم يفعل , تمنّت أن يوجه لها حديثاً خاصاً , و لكنه أيضاً لم يفعل 
فلما حان وقت الرحيل , لملَمَت أغراضها و غادرت المكان و هى تقاوم رغبة جارفة فى أن تنظر وراءها لترى ان كان يتابعها بنظراته أم لا 

صفحة من مذكرات امرأة عاشقة
(2)
.......... التعارف ...........

قادت سيارتها الى منزلها و هى تفكر فيما حدث حتى وصلت .. أدارت المفتاح فى باب الشقة و دخلت فأضاءت أنوار الصالة , و فتحت باب غرفتها و وضعت حقيبة يدها على الكومود و أضاءت الأباجورة .. وقفت أمام المرآة تتأمل نفسها و هى تمر بيدها على جسدها , ثم استدارت و غيرت ملابسها بسرعة و ألقت بنفسها على الكرسى المجاور للسرير .. فعلت كل ذلك فى حركات شبه آلية , و هى شاردة الذهن و الأفكار تتدافع فى رأسها , و أدارت رأسها فى الغرفة حتى وقع نظرها على اللاب توب , فانتفضت مسرعة و أتت به و جلست مرة أخرى على الكرسى و فتحت اللاب توب و أدخلت كلمة المرور .
راقت لها الفكرة التى خطرت على بالها , فدخلت على قائمة البحث و كتبت اسمه و أخذت تراجع الصور التى ظهرت أمامها حتى لمعت عيناها .. ها هو أخيراً .. دخلت على صفحته الخاصة لعلها تتعرف أكثر على شخصيته و أفكاره , و ربما ألقت نظرة على صوره العائلية و الشخصية ..
ما أن فتحت صفحته حتى اكتشفت أنه لا يسمح بتصفح صفحته الا لأصدقاءه , فلم تتردد و أرسلت له طلب صداقة مع رسالة قصيرة على بريده الخاص تخبره فيها أنها قد سعدت بالتعرف اليه و يسرها أن يكون صديقاً لها على الفيسبوك .. فعلت ذلك و قامت لتستلقى على السرير و أطفأت الأنوار و أغمضت عينيها فى محاولة للنوم .

صفحة من مذكرات امرأة عاشقة
(3)
........... صداقة ............

عبثاً حاولت أن تنام , لكن الأفكار الكثيرة التى كانت تدور فى عقلها لم تدع أى فرصة لنجاح هذه المحاولات .. فتحت اللاب توب مراراً لتتأكد من وصول رد على طلب الصداقة , و لكن الرد لم يصل .. تركت اللاب توب مفتوحاً و أسندت رأسها و استغرقت قى التفكير 
كانت عقارب الساعة تشير الى الثالثة صباحاً و الأرقُ ما زال يرافقها , عندما جاء صوت وصول رسالة .. دقت على مفاتيح الكمبيوتر و فتحت الرسالة لتجده قد قبل الصداقة و أرسل لها رسالة قصيرة يشكرها فيها على الصداقة و يُعرب عن امتنانه بالتعرف عليها و صداقتها
اعتدلت فى جلستها على السرير , و بدت عليها علامات الجدية و قد تسارعت دقات قلبها , فى حين راحت أصابعها تحرك فأرة الكمبيوتر لتدخل الى العالم المجهول الذى تريد استكشافه .. أخذت تتنقل من صفحة الى أخرى , و من تعليق الى آخر , فعرفت أنه مطلق و لديه أبناء يعيشون مع والدتهم , اعجبها اسلوبه فى الكتابة .. قرأت له مقالات تنتقد الأوضاع الجارية فى البلاد فأعجبتها أراءه الناقدة الهادئة , و قرأت له شعراً و أدباً فازداد إعجابها بكلماته الرقيقة التى أخذتها الى عوالم بعيدة و شعرت معها بأنه يبُث جزءاً من روحه فى كل كلمة يكتبها
ما زالت تذكر كيف تطورت الأحداث سريعاً بعد أن أصبحا أصدقاء .. كانت تعد الساعات حتى يأتى المساء لتبدأ فى التواصل معه عبر الكتابة .. حكت له باختصار عن حياتها و تجربتها السابقة فى الزواج , و كيف انتهت الى الانفصال .. حكت له عن ابنتيها اللتان تعيشان مع والدهما فى حين تتولى هى الانفاق عليهما بعد أن اضطرت للعمل بعد أن تعرض زوجها السابق لخسارة كبيرة أضاعت شركته و أمواله الطائلة , و كيف أنه لم يستطع أن يعمل بعدها
انتظرت كثيراً أن يطلب منها رقم تليفونها و لكنه لم يفعل , فقررت أنه قد حان الوقت لتخطو هى هذه الخطوة .. كان يحدثها عن علاقته بأولاده و زوجته السابقة , عندما سألته "أليس من الأفضل أن تحكى لى هذه القصة فى التليفون ؟" .. جاءها جوابه سريعاً بأنه كان يتمنى ذلك الا أنه خشى أن ترفض , لم يعجبها الجواب و لكنها لم تعلق و أرسلت له رقمها
جاءها صوته عبر الهاتف عميقاً هادئاً يبعث على الراحة و الاطمئنان .. تحدثا لساعات طويلة فى موضوعاتٍ شتى بنفس الاسلوب الجذاب الذى شدها اليه فى لقاءهما الأول .. كانت تشعر بأنه يبُث جزءاً من روحه فى كل كلمة يقولها .. أنهيا المكالمة و قد اقترب الفجر , فوضعت التليفون بجوارها و أغمضت جفونها لتظفر بساعات قليلة من النوم قبل موعد عملها

صفحة من مذكرات امرأة عاشقة
(4)
........... التردد ...........

لم يغمض لها جفن ذلك اليوم , كانت الأفكار تتدافع فى رأسها , أخذت تتذكر كلماته الحانية و هى تطلب منه قراءة شعراً قصيراً كان قد كتبه لها فى اليوم السابق .. سألته ما الذى أوحى لك بهذا الشعر , فقال لها أنه يرى أن الكون ما هو الا معزوفة موسيقية , و أن الحب هو سر الحياة , و أنها أصبحت بالنسبة له الحب و الحياة ..
تذكرت كيف ارتفع صوت دقات قلبها حتى خشيت أن يسمعه على الطرفِ الآخر , و كيف أصبحت أنفاسها لاهثة , طلبت منه بصوت متهدج أن يُسمعها الشعر , فجاءت كلماته لتزيد من اضطرابها و خفقان قلبها 
عرفتُكِ ...
فعرفتُ لماذا كان سطوع الشمس و ضياء القمر
لماذا كانت ضحكات الزهور و بهاءُ السَحَر
لماذا كان تغريد العصافير و رخـات المطـر
انه الكون ... يعزفُ ألحانه لينشر الحب بين البشر
أتراكِ حُلماً أم خيالاً هيأهُ لى طول السهر
أثارت الكلمات مشاعرها و حركت أحاسيسها , أعجبتها تعبيراته الغنية بالألوان و بأصوات موسيقى الطبيعة , أغمضت عينيها فجاءها من بعيد صوت تغريد العصافير و هو يقترن بصوت خرير المياه و رخات المطر .. رأت نفسها و كأنها فى حديقة كبيرة و الزهور تحيط بها , و هى تنطلق كالفراشة من زهرة الى أخرى فى خطوات راقصة .. و لدهشتها كان هو معها و قد أمسك بيديها يكاد يطير بها فلا تلامس قدميها الأرض ..
أفاقت من حلمها و قد تجاوزت عقارب الساعة الثامنة صباحاً , فقفزت من السرير بسرعة و اتجهت الى المطبخ فضغطت على زر الغلاية و وضعت النسكافيه و السكر فى الكوب الذى تأخذه معها دائماً .. و عادت الى غرفتها فأكملت استعدادها للخروج , ثم مرة أخرى الى المطبخ لتصب  النسكافيه و تنطلق فى طريقها للعمل 
استقرت على مكتبها بعد أن ألقت بتحية الصباح على زملاءها فى العمل , و فتحت جهاز الكمبيوتر ثم قامت فطلبت فنجان القهوة من عم سعيد و عادت الى مكتبها مرة أخرى .. لم تكن تشعر برغبة فى العمل و لكن كان عليها الانتهاء من التقرير الذى طلبه منها مديرها بالأمس .. كانت تحرص دائماً على الدقة فى عملها , و لم تكن تقبل بأقل من الاتقان .. دائماً ما تكون على مكتبها قبل موعد العمل , و كثيراً ما تذهب أيام السبت لتنهى بعض الأعمال التى تحتاج تركيزاً و مجهوداً
استغرقت فى عملها حتى انتهت من اعداد التقرير , و أعادت قراءته لتتأكد من عدم وجود أخطاء , ثم طبعت التقرير و وضعته فى الملف الخاص به و قامت بتسليمه لمديرها .. عادت الى مكتبها و قد قررت الانصراف مبكرة , فهى فى حاجة الى أن تخلو بنفسها 
وضعت أغراضها فى حقيبة يدها , و قامت فمرت على مكتب المدير و استأذنته فى المغادرة فوافق على الفور .. خرجت الى الشارع ففاجأتها لسعة هواء فبراير البارد , مضت الى سيارتها و هى تقاوم الرياح .. انطلقت بالسيارة الى الكافيه المفضل لديها و المطل على البحر فى حى "ستانلى" , فركنت السيارة و دخلت الكافيه و اختارت طاولة بالقرب من النافذة الزجاجية العريضة و جلست تتأمل فى المنظر الرائع أمامها
لطالما كان البحر خير صديقاً لها .. لطالما لجأت إليه تبثه همومها و مشاكلها , و تستمعُ إليه و هو يهدر بأمواجه .. كان اتساعه و امتداده اللانهائى يريح أعصابها 
آه .. خرجت هذه الزفرة رغماً عنها , فكم تحتاج إليه اليوم ليشور عليها بما ينبغى أن تفعل .. أحست أن بداخلها فيضاً من المشاعر المتضاربة التى تموجُ كالبحر , فودت لو يستطيع أن يُفصح عن أسرارهِ الكامنة فيدلها على الطريق الذى يجب أن تسلكه 

صفحة من مذكرات امرأة عاشقة
(5)
........... الحيرة ............

قفزت الأسئلة الى ذهنها متسارعة .. لماذا تركت له المجال ليقترب منها هذا الاقتراب ؟! بل كيف فتحت له الباب أصلاً و دعته للدخول ؟! ألم تعد نفسها من قبل بعدم السماح لأى شخص بالاقتراب من قلبها ؟! ألم تكتفِ بما عانته من آلامٍ و جراح ؟! ثم هل تتسع حياتها لمثل هذه الأمور , من حب و علاقات و هى التى تصارع الحياة لتوفير نفقات أولادها من ملابس و تعليم ؟!
على الجانب الآخر كان صوت قلبها يصرخ على استحياء , كيف تتركينى وحيداً دون شريكٍ أو ونيس ؟! ألا تشعرين بأن العمر يمر و بأن أجمل سنوات عمرك تنقضى دون عودة ؟! هل تعجبكِ حياة الوحدة و الليالى الباردة الصامتة ؟! أليس من الظلم أن تحكمى على نفسك بالوحدة و أنت بعد لم تتجاوزى الثامنة و الثلاثين ؟
مضت ساعاتٍ طويلة و الأفكار تتصارع بداخلها , يتنازعها الخوف و الرجاء , فلم تشعر الا و الشمس آخذة فى المغيب .. نظرت فى ساعتها , و أخرجت نقوداً تزيدُ عن حسابها , فتركتهم على الطاولة و غادرت الكافيه و قد حسمت أمرها
مرة أخرى لفحها الهواء البارد , فأسرعت الخطى الى السيارة و اتجهت الى المنزل
ما أن انتهت من تغيير ملابسها حتى أمسكت بالتليفون و طلبت رقمه .. رد عليها بعد رنتين كما اعتاد , و ما أن بدأ فى الترحيب بها حتى قاطعته قائلة : أريد أن أراك
مرت لحظة من الصمت و كأنه يفكر فى الأمر فبادرته : هل هناك مشكلة فى أن نلتقى؟
سارع هذه المرة بالرد : لا توجد مشكلة على الإطلاق , و لكن طريقة سؤالك أقلقتنى .. هل هناك مشكلة تمرين بها ؟
ردت فى حدة : و هل ترفض أن تلقانى الا لو كانت هناك مشكلة ؟
شعرت به و كأنه يكظم غيظه , ثم جاء صوته هادئاً عميقاً كالمعتاد : من الواضح أن لديك أسباباً لتوترك , و سنناقشها عندما نلتقى .. حددى الموعد الذى يناسبك و سنلتقى أينما تشاءين
ردت بهدوء و قد شعرت بأنها تهاجمه دون سبب : سأعتذر عن الذهاب للعمل غداً , فما رأيك أن نلتقى صباحاً و نتناول الافطار سوياً
هو : جميل جداً أن أبدأ يومى بلقاءك .. هلى تقترحين مكاناً معيناً , أم تودين أن أقنرح عليكِ أنا ؟
ذكرت له اسم الكافيه الذى كانت به اليوم و اقترحت أن يلتقيا فى العاشرة صباحاً .. رحب بالمكان و حاول أن يغير مجرى الحديث ليخرجها من توترها , و لكنها اعتذرت بأنها تشعر بصداع رهيب و تود أن تخل الى النوم مبكراً , ثم أنهت الحديث و أغلقت الخط
ما أن خلت الى نفسها حتى شعرت بأنها قد اتخذت الخطوة السليمة و بأنها تسيطر على الأمور و سرعان ما ستضع حداً لصراعها الداخلى .. قفزت الى السرير و أطفأت الأنوار و أغمضت عينيها

صفحة من مذكرات امرأة عاشقة
(6)
.......... ندم ...........

عبثاً حاولت أن تنام , و لكن الأفكار لم تتركها , ظلت ترتب الكلمات التى ستقولها و تبدل كلمة بأخرى و عبارة بعبارة مختلفة .. كانت مصممة على أن يصله المعنى واضحاً قوياً .. هى امرأة عاملة على عاتقها مسئوليات لن تتخلى عنها و ستظل دائماً فى مقدمة أولوياتها  لا مجال للحب فى حياتها , و لا تعترف بصداقة منفردة بين رجل و امرأة .. تقبل بالصداقة مع رجال و نساء وسط مجموعة , و لكنها لا تقبل بعلاقة خاصة مع رجل تحت أى مسمى و لو كان الصداقة .. تيحث عن الأمان لها و لأولادها و عمن يستطيع أن يحمل معها مسئولياتها و يريحها من الشقاء , فإن كان مستعداً لذلك فمرحباً به زوجاً لا صديق .. و إن لم يكن فمن الأفضل أن يضعوا حداً سريعاً لهذه العلاقة لتنتهى كما بدأت
هدأت أخيراً بعد أن أعدت ما ستقوله , واستسلمت لنومٍ عميق
أفاقت فى الصباح مبكراً كعادتها , فأعدت كوب النسكافيه المفضل لديها , و خرجت الى البلكونة لتستمتع بهواء الشتاء البارد المختلط برائحة البحر التى تعشقها .. أخذتها أفكارها بعيداً و هى تنظر الى الأفق الممتد أمامها , و أخذت تسترجع كلماته التى كانت تدغدغ مشاعرها و تُثير حواسّها
كم كان جميلاً حقاً شعورها و هى تتلقى منه صباح كل يومٍ كلماتٍ عذبة , يتمنى لها فيها يوماً سعيداً , و كيف كانت تلك الكلمات تُحيل الحياة من حولها الى عالمٍ وردىّ .. تذكرت كيف كانت تنتظر بلهفة أشعاره التى يكتبها من حينٍ لآخر , يصفُ فيها جمالها و يعبّر عن مشاعره برقة , و كيف كان كل شعرٍ جديد يطير بها الى دنيا بعيدة لا مشاكل فيها و لا هموم .. تذكرت كيف اجتاحتها كلماته فأزالت حصونها و تركتها مرهفة الحِس و لمست أعماق قلبها فأيقظته من سُباتهِ الطويل , فأغمضت عينيها و أخرجت آهة طويلة
فتحت عينيها بعد وهلة قصيرة , و قد أرهبتها تلك المشاعر التى باغتتها , و خشيت أن يغلبها ضعفها , فطردت تلك الأفكار و المشاعر و استدارت فدخلت غرفتها و أغلقت البلكونة بحزم و كأنما البحر و هواءه هما السبب .. ارتدت ملابسها فى حزم و حرِصت على أن تنتقى أحد الأطقم التى كانت تعتزُ بها و تعلم أنه يبرز جمالها , ثم نظرت فى ساعتها و أسرعت فغادرت الشقة و ركبت السيارة و انطلقت الى موعدها
دخلت الكافيه و ألقت نظرة باحثة , و ما أن استقرت عيناها عليه حتى اتجهت إليه .. كان يجلس على الطاولة التى تفضلها دائماً و كأنه كان يعرف مكانها المفضل .. ألقت عليه التحية و صافحته بسرعة و جلست و هى تستجمع قوتها و كأنها مقبلة على معركة , ثم بدأت حديثها و هى تختار كلماتها بعناية و تحاول أن تتجنب النظر فى  عينيه التى طالما شعرت فيهما بمسحة من الحزن الذى لا تعرف له سبباً , و لكنها تُضفى عليهما بهاءً لا يُقاوم

صفحة من مذكرات امرأة عاشقة
(7)
فى كلمات سريعة حاسمة أعادت عليه كل ما أعدته فى ذهنها من حوار , بعد أن طلبت منه ألا يقاطعها إلى أن تنتهى من حديثها .. قالت له أن قلبها لم يعُد يحتمل أى ألمٍ أو جرحٍ جديد و أن أولوياتها فى الحياة لا مكان فيها لقلبها الذى أغلقته منذ زمنٍ بعيد و ألقت بمفتاحه فى البحر .. أخبرته بمفهومها عن الصداقة بين رجل و امرأة , و بأنها لا تعترف بها الا فى إطار اجتماعى مناسب .. قالت له أنها إذا فكرت فى الارتباط فسيكون من شخص يستطيع أن يحمل عنها مسئولياتها
استمع إليها فى صمت حتى انتهت من حديثها و طلبت منه أن يرد
جاء صوته هادئاً , فى محاولة منه لطمأنتها و إزالة التوتر الذى بدا على صوتها .. أو هكذا فسرت هدوءه لنفسها فيما بعد .. تحدثَ طويلاً عن التزاماته و مسئولياته نحو أولاده , و كيف أن الظروف التى تمر بها البلد قد أثرت على دخله , خاصة و أن لديه شركته الخاصة , و مع ذلك فهو على استعداد تام لمشاركتها فى مسئولياتها فى حدود إمكانياته لو اتفقا على الزواج .. كل ما طلبه منها , أن يعطوا لأنفسهم فترة أطول من الوقت ليتعرفا أكثر حتى تكون فرصة نجاح الزواج أكبر
شرح لها وجهة نظره بأن الزواج الثانى غالباً ما تكون نسبة الفشل فيه أكبر حيث تغيب عوامل هامة للنجاح , على عكس الزواج الأول .. قال لها أن وجود أولاد بين زوجين يجعلهما أكثر حرصاً على انجاح الزواج و التنازل قليلاً حتى تسير الحياة , و هو ما لا يتوافر عندهما لأنهما لن ينجبا مرة أخرى .. قال أن السن الأصغر فى الزواج يًمكّن الزوجين من التكيف و التعامل مع الاحتكاكات اليومية بمرونة أكبر , فى حين أن تلك المرونة و تقبل التغيير تقل فى الزواج الثانى .. لذلك فإن الاعتماد الأكبر فى نجاح الزواج الثانى يأتى على أساس التفاهم التام , و هو ما يتطلب وقتاً أطول فى فترة التعارف
قال لها أنه يراها مُخطئة تماماً فى عدم اعتبارها للحب , فهو يرى أن الحب من أساسيات الحياة , و أنه من أهم احتياجات الانسان ليمضى فى حياته متوازناً .. الحب هو الذى يهون مصاعب الحياة , و أن فرحتنا لا تكتمل الا بمشاركتنا فيها مع من نحب , بل أن الفرحة قد تموت ان لم نجد من يشاركنا فيها .. الحب هو مفتاح السعادة , و السعادة هى غايتنا الأولى فى هذه الحياة
استمعت لصوته الحنون و هو يخبرها كيف تغير طعم الدنيا بعد أن عرفها , و كيف أصبح يفكرُ فيها ليلَ نهار .. أشاحت بوجهها و تشاغلت بالنظر الى البحر بعد أن شعرت أن مقاومتها ستضعف أمام كلماته و نظرات عينيه بلمحة الحزن التى تأسرها .. صمتت لبرهة , ثم قاطعته قائلة : ليست هذه هى الاجابة التى كنت أنتظرها .. فلست على استعداد للاستمرار فى أى علاقة على أمل واهى فى مستقبل غير محدد .. أعتقد أنه من الأفضل أن ننهى ما بيننا قبل أن يتسبب لأى ألم لأىٍ منا
صدمه ردها فنظرُ طويلاً فى عينيها دون أن يعلق , ثم نظرَ فى ساعته و قال لها : يبدو أنكِ قد اتخذتى قرارك من قبل أن نلتقى , و أن إجابتى مهما كانت لم تكن لتغير من قرارك .. على أى الأحوال لقد سعدت حقاً بمعرفتك و أتمنى لكِ كل السعادة فى حياتك  .. قال ذلك و أشار للجرسون يطلب الحساب .. استمر الصمت بينهما حتى جاء الجرسون فدفع اليه يالنقود و قاما فغادرا الكافيه
سار معها الى سيارتها صامتاً حتى فتحت الباب و استدارت فصافحته و هى تقول : أرجو ألا أكون قد تسببت لك فى أى ألم , و أرجو ألّا تُسئ فهمى .. ايتسمَ قليلاً و هو يقول : لا تخشى علىّ فأنا أتفهم ظروفك و أحترم رغبتك  .. ركبت سيارتها و أغلقت الباب , فيما ظلَ هو واقفاً حتى غابت عن نظره
انطلقت بسيارتها و هى تنظر فى المرآة الخلفية حتى اختفت صورته تماماً .. و فجأة بدأ رذاذ المطر يتساقط على زجاج السيارة , فيما بدأت دموعها تسيل فى صمت .. و مع ازدياد المطر ازدادت دموعها و بدأ صدرها يعلو و يهبط و هى تحاول السيطرة على مشاعرها  و تهمس لنفسها فى صوتٍ خافت : هل تبكيه السماءُ معى , أم أنها تبكى وحدتى و حالى ؟

صفحة من مذكرات امرأة عاشقة
(8)
قادت سيارتها وسط دموعها المنهمرة و قطرات المطر المتساقطة حتى وصلت الى منزلها , فركنت السيارة و نزلت منها و أسرعت الخطى الى مدخل العمارة .. دخلت شقتها و أغلقت الباب و أسرعت الى غرفتها فارتمت على السرير باكية .. استمرت فى البكاء بضع دقائق , و فجأة انتفضت من على السرير و أحضرت اللاب توب و فتحت ملف الأغانى و ضغطت على أغنيتها المفضلة .. لحظات و انسابت الموسيقى فى الغرفة ..  لقد بكيتُ بما يكفى
استمعت الى المغنية و هى تردد معها كلمات الأغنية التى تحفظها عن ظهر قلب ..
لن تُعيدك ألف كلمة , أعرفُ ذلك لأننى حاولت .. و لن تُعيدك ألف دمعة , أعرفُ ذلك لأننى بكيت .. لقد بكيتُ بما يكفى .. تجمدت دموعى بعد كل هذه السنين من الألم .. و ها هو قلبى قد قرر أخيراً أن يدق ثانيةً .. الآن و قد استيقظ قلبى , فلن أنظر الى الخلف مرة أخرى .. ها أنا أقفُ على الجانب الصحيح من روحى .. و ها هو الحزن يتلاشى .. ها أنا أقفُ على قدمى مرة أخرى .. فكيف أشعر بالأسف لكونى أقوى مما كنت .. لقد بكيتُ بما يكفى .. لن أندم على الحب , و لن أبكى ثانيةً .. لقد بكيتً بما يكفى .. كل ما ستراهُ على وجهى بعد ذلك , هى  قطرات المطر لكن أبداً لن تكون دموعى .. لقد بكيتُ بما يكفى
انتهت الأغنية وقد توقفت دموعها عن السقوط و ساد السكون الغرفة .. استمرت فى مكانها لثوانى ثم  قامت فى هدوء فأحضرت تليفونها و جلست على السرير و طلبت رقمه
رنتان .. ثلاثة .. زادت سرعة دقات قلبها .. أربعة .. قالت لنفسها "لن يرد" .. خمسة .. كادت أن تغلق الخط فإذا بصوته يأتى هادئاً كالمعتاد :  أخيراً اتكلمتى
هى : يعنى كنت مستنى مكالمتى
هو : كنت باتمناها
هى : و ما اتكلمتش انت ليه ؟
هو : انتِ مش قلتى انك مش عايزانا نتكلم تانى ؟
هى : بس لو كنت أفرق معاك بصحيح و بتتمنى انى أتكلم زى ما بتقول كنت كلمتنى انت
هو : أنا ما احبش أفرض نفسى بالعافية على حد
هى : طيب و تأخرت فى الرد ليه , أنا كنت هاقفل .. ما كنتش عايز ترد ؟
هو : لأ طبعاً , أنا بس كنت بعيد عن التليفون ... وحشتينى
هى : ......
هو : ايه رأيك نفطر بكرة مع بعض ؟
هى : بس أنا بكرة عندى شغل و ما أقدرش ما أروحش
هو : و مين قال ما تروحيش .. احنا نتقابل قبل ميعاد شغلك بساعة و لما نخلص فطار تروحى الشغل
هى : أنا لازم أكون فى الشغل الساعة ثمانية و ربع بالكثير
هو : مافيش مشكلة , نتقابل الساعة سبعة و تمشى الساعة ثمانية
هى : طيب هانفطر فين بدرى كدة ؟
هو : فى أقرب أون ذا رَن لشغلك
هى : أوكى ماعنديش مانع
وصفت له مكان شغلها و اتقفا على موعد و مكان اللقاء , و تمنى لها نوماً هادئاً , و أغلقا الخط
ما أن أغلقت الخط , حتى رمت التليفون على السرير و قفزت فاتجهت الى اللاب توب و أدارت أغنية من أغنياتها المفضلة .. فلما بدأت الموسيقى تعلو أخذت تدور فى الغرفة و هى ترقص و كأنها تراقص شخص غير ظاهر
مرة أخرى عادت الفراشة للرقص .. و عادت موسيقى الكون تعزف فى أذنيها

صفحة من مذكرات امرأة عاشقة
(9)
..... الحُلم .....
كانت الليلة من أسعد الليالى التى مرّت عليها منذ سنوات طويلة , و بعد أن استمعت لبعض الأغانى التى تحبها دخلت فراشها و هى تشعر و كأنها قد امتلكت العالم كله , و لِمَ لا و هى تحبه و هو يُحبها .. أطفأت الأنوار و حلّقت فى خيالها بعيداً عن الأرض , و قد قررت أن تستسلم لمشاعرها و تتحرر من قيود الماضى , و ما هى الا لحظات حتى استغرقت فى نومٍ عميق هادئ
استيقظت مبكراً , و انتهت سريعاً من الاستعداد للخروج بعد أن انتقت أفضل ملابسها , و جلست لتستمتع بطعم و رائحة النسكافيه الذى تعشقه .. و ما ان انتهت منه حتى غادرت الشقة
دخلت الى مكان اللقاء فشعرت بدفء المكان بعد لفحة الهواء البارد فى الخارج , و نظرت حولها فوجدته يجلس فى الركن البعيد .. اتجهت اليه باسمة فقابلها بايتسامة مشرقة و مد يده فصافحها و أطال فى الامساك بيدها و كأنه لا يريد أن يتركها
مضت الساعة سريعاً بعد أن قضوها فى حديث غرام شرح فيه لها كيف أمضى الساعة التى سبقت اتصالها فى حزن و أسى بعد أن شعر بأنه قد فقدها , و كيف أن اتصالها قد أعاد اليه روحه التى لم تستطعم الحياة الا منذ أن عرفها .. كانت تستمعُ إليه و هى تشعر و كأنها فى حلم جميل , فلما حان وقت الرحيل , انتزعت نفسها انتزاعاً و هى تتمنى لو كانت تستطيع البقاء
منذُ ذلك اليوم , تكررت لقاءاتهما و اتصالاتهما حتى أصبحا يكادا لا يفترقان .. كانت تسرع كل يوم فور انتهاءها من عملها الى منزلها , فتغير ملابسها ثم تغادر سريعاً لتلقاه فى مكانهما المفضل أمام البحر , ليظلا فى أحاديث متواصلة حتى يغيب قرص الشمس و هما يتابعانه .. فإذا انصرفوا كانا يمضيان الساعات الطويلة كل ليلة و هما يتحدثان بالتليفون حتى يغلبها النوم فتغلق الخط على مضض .. كم تمنت لو كان معها ليضمها إليه و هو يُسمعها كلماته الرقيقة التى تُلهب مشاعرها و تُثير حواسها .. كم حلقّت مع أشعاره الى أرض الأحلام التى وعدها بها , و كما بنى هو بيوتاً لها من الشعر , بَنَت هى قصوراً لهما فى أحلامها و هى تسترجع كلماته
سأمرُ عليكِ ساحرتى .. أصحبُكِ لأرضِ الأحلام
 نخترقُ غيوماً و سحاباً .. نجتـازُ بحـورَ الأيام
و نُسابقُ أطيافَ الشُهُبِ .. نأتنسُ بشوقٍ و هيام
سنرقصُ فى ضوءِ القمرِ .. و نُعانقُ رخّات المطرِ
و نُداعبُ أوراقَ الشجرِ .. و نُغردُ عِشقاً و غَرام
و سنرسمُ للحبِ طريقاً .. نجعلُهُ دليلَ الأشواق
و سأغزلُ من شِعرى بيوتاً .. يسكُنُها جميعُ العشاق

......... الحقيقة ........

 كانت الساعة تقترب من الرابعة مساءَ , و هو موعد انصرافها من العمل , و كانت هى تسابق الزمن لتنتهى من العمل الذى فى يدها بدلاً من أن تضطر الى التأخر لحين انهاؤه , و فجأة رن جرس تليفونها فلم تسمعه فى البداية , و مع استمرار الرنين سمعته و هى منهمكة بشدة فى عملها فقررت عدم الرد عليه حتى لا تُضيع وقتها .. صمت التليفون لبرهة قصيرة ثم عاد للرنين مرة أخرى , فيما هى فى قمة الغضب من العمل الذى يبدو و كأنه لا يريد أن ينتهى .. توترت أعصابها و ازداد إصرارها على عدم الرد على التليفون .. تكرر الرنين و عدم الرد عدة مرات و أخيراً صمت التليفون
عندما انتهت من الطباعة كانت عقارب الساعة تشير الى الرابعة و النصف , فوضعت الأوراق المطبوعة فى الملف الخاص بها دون أن تراجعها كما اعتادت , و أسرعت الخطى الى مكتب مديرها و هى تُمسك بالملف و تكاد تجرى .. طرقت الباب ثم فتحته مباشرة دون أن تنتظر لبرهة كالمعتاد , و دخلت فألقت تحية سريعة و وضعت الملف على المكتب و غادرت الغرفة دون أن تنطق بكلمة .. ما أن أغلقت الباب حتى ركضت الى مكتبها فحملت حقيبتها و أسرعت الى سيارتها  .. قادت سيارتها بسرعة رهيبة و كأنها فى سباقٍ مجنون , و كانت تنظر الى الساعة بين حين و آخر و هى تصب اللعنات على العمل الذى لا ينتهى و الطرق التى تزداد زحاماً كل يوم
أوقفت السيارة فى ساحة الانتظار القريبة من مكان لقاءهما كالمعتاد , و أسرعت الى الكافيه و دخلت فاتجهت مباشرة الى طاولتهم الخاصة .. و للعجب لم يكن حبيبها هناك .. تلفتت حولها باحثة عنه فى توتر , و لكنها لم تجده .. وقفت للحظات و قد بدا عليها الارتباك , فإذا بالجرسون الذى يقدم لهما الخدمة كل يوم يشير إليها من بعيد بأن حبيبها لم يأتى بعد .. ابتسمت له ابتسامة حائرة , و مضت الى طاولتهم فجلست و فتحت حقيبتها فأخرجت تليفونها لتتصل به , و ما أن نظرت الى التليفون حتى تسمرت عيناها .. لقد حاول حبيبها الاتصال بها خمس مرات و لكنها لم ترد عليه .. كيف فاتها ذلك ؟! كيف فاتها و هى تستمع الى رنين التليفون أن المتصل قد يكون حبيبها ؟! ازداد توترها و حنقها على نفسها , و طلبت رقم حبيبها .. لحظات و أتاها الصوت المسجل قائلاً أن الهاتف مغلق .. كررت المحاولة عدة مرات و هى تتمنى فى قرارة نفسها أن تتغير الاجابة , و لكن محاولاتها باءت بالفشل , و ظل الصوت يكرر أن الهاتف مغلق .. أخيراً استسلمت للأمر الواقع و قامت فغادرت الكافيه و اتجهت الى سيارتها
لم تشعر بلسعة البرد فى الجو بعد أن غربت الشمس , فقد كانت الأفكار تتدافع فى عقلها .. لا بد أن أمراً طارئاً قد حدث فحاول أن يتصل بها ليعتذر و لكنها للأسف لم ترد عليه .. فما الذى حدث يا ترى ؟! و هل غضب منها لعدم ردها فأغلق تليفونه , أم أن بطارية التليفون قد فرغت ؟! أو ربما يكون فى مكان لا توجد به شبكة .. المهم أن تطمئن عليه .. ما الذى يجب أن تفعله , و بمن تتصل لتطمئن عليه ؟! ظلت الأسئلة تلح عليها و هى تقود سيارتها دون تركيز حتى وصلت الى منزلها دون أن تجد طريقة لتطمئن بها على حبيبها .. أوقفت السيارة فى أقرب مكان للمنزل , و اتجهت الى شقتها
دقائق و كانت قد انتهت من تغيير ملابسها و ألقت بنفسها على الفراش و هى ما تزال فى حيرتها .. كيف فاتها أن تطلب منه رقم أحد أصدقاءه أو معارفه لتتصل به ان حدث ما لم يكن فى الحسبان ؟! كيف مضى شهران أو أكثر و هما على هذه الدرجة من العلاقة , و مع ذلك لا تعرف له عنواناً محدداً ؟! كانت الأسئلة تتوالى دون اجابات , عندما رن جرس التليفون فجأة ليقطع الصمت , و مع رنين التليفون ازدادت دقات قلبها و أسرعت فردت على التليفون
هى : آلو
صوت امرأة : آلو .. مدام سوزان ؟
هى : أيوة انا سوزان مين بيتكلم ؟
صوت امرأة : حضرتك ما تعرفينيش .. بس أنا منى
هى : خير حضرتك .. أى خدمة ؟
منى : حضرتك تعرفى أستاذ خالد , مش كدة ؟
دق قلبها سريعاً , و تهدج صوتها و هى تسأل
سوزان : ماله خالد .. أيوة أعرفه .. هو بخير .. أرجوكى طمنينى
منى : اطمنى يا مدام , خالد بخير
سوزان : طيب هو فين .. و ماجاش ليه .. و حضرتك تعرفيه منين ؟
منى : اهدى يا مدام سوزان .. حضرتك بتسألى أسئلة كثيرة أوى
سوزان : أرجوكى طمنينى و ردى عليا
منى : يا مدام مش هاينفع نتكلم فى التليفون .. لازم نتقابل و نقعد مع بعض .. فيه حاجات كثيرة لازم نتكلم فيها
سوزان : حاجات ايه اللى لازم نتكلم فيها .. هو خالد فين , و انت تعرفيه منين , و نتقابل ازاى و انا ماعرفكيش أصلاً .. ايه الحكاية بالضبط ؟
منى : يا مدام سوزان بالراحة و اهدى كدة .. اذا كان يهمك أمر خالد يبقى لازم نتقابل .. ده رقمى عندك هاستنى تليفون منك بكرة الصبح تحددى فيها الزمان و المكان اللى يناسبك , بس بشرط يكون بكرة .. مع السلامة
انقطع الخط و سوزان فى حالة ذهول , تكاد لا تصدق ما تسمعه .. ما الذى يجرى .. و من هذه السيدة التى اتصلت بها .. و ما علاقتها بخالد ... و من أين حصلت على رقمها ... ما الذى يخفيه خالد عليها ؟
و الأهم من كل هذا .. أين هو ؟

صفحة من مذكرات امرأة عاشقة
(10)
......... السيدة المجهولة .......

منذ أن غادرت العمل و المفاجآت تتوالى .. و لكنها أبداً لم تكن تتخيل أن تمر بما تمر به الآن .. كانت تعتقد أن كل مشكلتها هى الصراع بين قلبها الذى يهفو الى الحب , و بين عقلها الذى يخشى أن يخوض تجربة جديدة تنتهى بألم جديد لم يعد قلبها يتحمله .. كان أشد ما يؤلمها أن تكون قد انخدعت فى خالد .. كيف حدث هذا , و كيف لم ترى فيه كل هذا الغموض الذى تعيشه الآن .. كل ما رأته و لمسته منه كان يطمئنها .. كانت ترى فيه الحنان و الأمان الذى افتقدته كثيراً .. فكيف ينقلب كل هذا الى القلق و الترقب الذى تعيشه
دخلت فراشها و هى تتساءل , هل تذهب لتقابل هذه السيدة الغامضة , أم تنتظر لتقابل خالد فيشرح لها من هى منى , و يفسر لها هذا الغموض .. فكرت كثيراً , و أخيراً استقر رأيها على أن تنتظر لقاء خالد , فأطفأت الأنوار و خلدت للنوم
أشرقت الشمس بعد ليلٍ طويل تخللهُ نوم متقطع و الكثير من الأرق .. فقامت و أعدت لنفسها كوب النسكافيه , و أخذت تشربه و هى ترتدى ملابسها للذهاب للعمل .. قبل أن تنزل حاولت الاتصال بخالد , و لكن لم تكن هذه المحاولة بأفضل من محاولاتها السابقة , فما زال تليفونه مغلق
وصلت الى عملها مبكرة , فجلست الى مكتبها و انهمكت فى العمل .. دقائق و بدأ زملاؤها فى الوصول و إلقاء التحية و هى ترد فى اقتضاب دون أن ترفع نظرها عن شاشة الكمبيوتر
مرت أكثر من ساعة و هى تعمل بتركيز فى محاولة منها لتمضبة الوقت , متمنية فى قرارة نفسها أن يتصل بها خالد ليشرح سبب اختفاءه .. و لكن الوقت أخذ يمر ببطء و هو لا يتصل
و فجأة وصلتها رسالة على التليفون , فأسرعت و فتحتها , لتجد أن الراسل هى منى , التى كتبت لها تقول : "الوقت يمضى دون أن تتصلى , أرجو ان تسرعى فى تحديد موعد اللقاء اليوم ان كان يهمك أمر خالد" .. قرأت الرسالة عدة مرات , ثم اتصلت برقم خالد ليأتيها نفس الصوت المسجل بأن الهاتف مغلق .. ازداد توترها و داهمتها الأفكار مرة أخرى .. لماذا أغلق تليفونه , و لماذا لا يتصل بها , و لماذا هذا الاختفاء المريب .. شعرت أنها لا تستطيع المقاومة أكثر من ذلك , و لا يوجد أمامها الا أن تتصل بمنى لتحدد موعداً للقاءها حتى تعرف ما الذى يحدث .. فكرت قليلاً ثم أخذت تليفونها و قامت من على مكتبها و خرجت الى الشرفة لتتحدث براحتها , و طلبت رقم منى
جاءها صوتها على الطرف الآخر فأحست فيه ببعض التوتر : أخيراً اتصلتى
سوزان : أنا فعلاً ما كنتش ناوية اتصل , لكن الظاهر مافيش فايدة
منى : تحبى نتقابل بعد شغلك فى نفس المكان اللى كنتى بتقابلى فيه خالد ؟
سوزان بحدة : انتِ كمان عارفة المكان اللى بقابل فيه خالد ؟
منى : مش وقته دلوقتى , ممكن تحددى الميعاد و المكان اللى يناسبوكى ؟
سوزان : طيب عرفينى الأول انتِ مين و تعرفى خالد منين , و عرفتى اسمى و رقم تليفونى ازاى ؟
منى : هاتعرفى كل ده لما نتقابل زى ما قلتلك امبارح
سوزان : بس أنا مش هاقابلك الا لما تردى على أسئلتى الأول
منى : انتِ كدة بتضيعى وقت , و ده مش فى مصلحة خالد خالص .. لو صحيح بتحبيه و يهمك أمره لازم تقابلينى فوراً
سوزان : انتِ مش امبارح قلتى اطمنى خالد بخير !! ازاى راجعة تقلقينى و تقولى التأخير مش فى مصلحته .. هو فيه ايه بالضبط و انت مين و عاوزة ايه ؟
منى : أنا قلت اللى عندى و ما كنتش عاوزة أقلقك , لكن انتِ اللى مصممة ما تقابلينيش ... لآخر مرة باقولك لازم أشوفك و أنا أقولك كل حاجة عاوزة تعرفيها , و لو قفلت المرة دى مش هاتسمعى عنى بعد كدة .. و انتِ حرة
قالت منى عبارتها الأخيرة فى صوت حاسم و بلهجة حادة , شعرت معها سوزان أنها جادة فى تهديدها .. صمتت لفترة تعيد فيها تفكيرها سريعاً ثم قالت
سوزان : خلاص أقابلك بعد الشغل فى نفس المكان
منى : هاكون فى انتظارك على نفس طاولتكم .. سلام
أغلقت منى الخط و تركت سوزان لأفكارها .. ظلت فى مكانها للحظات و أفاقت على صوت أحد الزملاء و هو يحييها و يسألها عن سبب وقوفها فى البرد .. تنبهت لنفسها و سارعت الى مكتبها
كان النهار قد انتصف عندما جاء عم سعيد يوزع المراسلات على كل مكتب , فلما وصلها وضع البريد الخاص بها على مكتبها و هو يقول : مالك يا ست سوزان .. شكلك متغيرة النهاردة .. ان شالله تكونى بخير
رسمت سوزان ابتسامة على شفتيها لتخفى توترها و أجابته قائلة : أبداً يا عم سعيد , بس مرهقة شوية
عم سعيد : أعملك ليمون يهديكى ؟
سوزان و هى تتناول بريدها : يا ريت يا عم سعيد
مضى عم سعيد ليأتى بالليمون , و فتحت سوزان البريد لتجد مذكرة داخلية من مديرها تذكر الجميع بموعد الاجتماع الشهرى الذى يعقد آخر كل شهر و الذى تصادف أن يكون عقب موعد انتهاء العمل اليوم .. القت سوزان بالمذكرة فى غضب و هى تتساءل فى نفسها , لماذا تقف كل الظروف ضدها .. لماذا يصر الجميع على الضغط على أعصابها .. انتفضت من على مكتبها واقفة , فإذا بعم سعيد قادماً بالليمون , فعادت للجلوس مرة أخرى و قد قررت أن تشرب الليمون لعلّه يُهدئ من توترها
ما أن انتهت من شرب الليمون حتى قامت و اتجهت الى مكتب المدير , فطرقت الباب و انتظرت لبرهة ثم فتحت الباب و دخلت .. اقتربت من مكتبه و هو ينظر اليها باسماً و لاحظت كيف تلاشت ابتسامته و كأنه يقرأ أفكارها و يشعر بتوترها .. فخَشَت أن يكون بالفعل قد قرأ فى عينيها أنها على وشك الكذب
سألها مديرها فى هدوء : "خير يا سوزان .. مالك ؟
سوزان فى ارتباك : مافيش حضرتك بس أنا مضطرة للاستئذان النهاردة بعد الشغل على طول و مش هاقدر أحضر الاجتماع
صمتَ المدير قليلاً و هو ينظر اليها , فشعرت بالحرج أكثر و زاد ارتباكها .. ثم سألها : ما فيش مشكلة يا سوزان , بس طمنينى فيه ايه ؟
سوزان و هى تشعر بحرج أكثر : أصل عندى ميعاد مع الدكتور بتاعى بعد الشغل على طول و خايفة أتأخر استنى كثير فى العيادة لوقت متأخر بالليل
قالت جملتها و هى تتصبب عرقاً .. كانت هذه هى أول مرة تكذب .. كم تكره الكذب .. و كم تكره الكاذبين .. بل و كم كرهت خالد فى هذه اللحظة لأنه هو الذى اضطرها للكذب
المدير : خير .. سلامتك الف سلامة .. مالك يا سوزان ؟
سوزان : مافيش .. شوية فحوصات و ان شاء الله خير
كانت تتمنى ألا يسألها أكثر من ذلك .. و بالفعل جاء رده و كأنه شعر بالحرج من الاستمرار فى الأسئلة
المدير : أكيد طبعاً تقدرى تستأذنى بدرى كمان لو حبيتى .. المهم طمنينا عليكى
سوزان : لأ مش محتاجة أمشى بدرى , الميعاد بعد الشغل على طول .. ميرسى جدً لاهتمام حضرتك
المدير : لو محتاجة أى حاجة قوليلى فوراً
سوزان : ميرسى جداً .. عن إذنك
عادت سوزان لمكتبها و جلست و هى تشعر بتأنيب الضمير , و اخذت تلقى باللوم على خالد , ثم انهمكت فى عملها مرة أخرى
ما أن انتهى موعد العمل , حتى سارعت سوزان بمغادرة المكتب وسط تساؤلات زملاءها عن سبب عدم حضورها الاجتماع , فكانت ترد باقتضاب أن لديها موعد هام لا يمكنها تأجيله
قادت سيارتها بهدوء لا يتفق مع ما تشعر به من قلق و ترقب , و كأنما بداخلها صراع بين رغبتها فى معرفة سر اختفاء حبيبها و سبب ظهور هذه السيدة الغامضة , و بين خوفها من اكتشاف أشياء تؤلمها .. و أخيراً وصلت الى حيث تركت سيارتها فى الموقف القريب من الكافيه
دخلت و هى تتلفت فاستقر نظرها على طاولتهم .. هناك كانت تجلس سيدة فى منتصف العمرترتدى ملابس أنيقة تنُم عن ذوق رفيع .. اقتربت سوزان من السيدة الجالسة , فنظرت اليها فى هدوء ثم وقفت و هى تمد يدها لتصافحها .. أعجبها جمال وجهها الهادئ و ماكياجها القليل الذى ما كان ليضيف كثيراً لهذا الوجه الجميل
منى : أهلاً يا سوزان .. أخيراً جيتى
سوزان و هى تصافحها : أهلاً بيكى .. ممكن أعرف ايه اللى بيحصل , و فين خالد ؟
منى : طيب مش نقعد الأول
جلست سوزان و جلست منى .. و بدأت فى الكلام بهدوء

صفحة من مذكرات امرأة عاشقة
(11)
........ الخطر ........

بدأت منى حديثها بصوت هادئ لا يخلو من الارتباك
منى : أنا يا سوزان ابقى منى أخت خالد
سوزان بدهشة : أخت خالد !! طيب و ليه كل الغموض ده .. ليه ما قلتيش كدة فى التليفون ببساطة , و ليه خليتينى أعيش كل القلق ده طول الليل و النهار ؟
منى : ما كانش ممكن أقول حاجة لأن كلنا فى خطر .. أنا و أنتِ و خالد
سوزان : خطر !! ازاى .. و فين خالد .. ما تقوليلى الحكاية ايه بالضبط
منى : هاحكيلك كل حاجة دلوقتى ... انتِ عارفة خالد بيشتغل ايه , مش كدة ؟
سوزان : أيوة طبعاً .. مهندس كمبيوتر , و عنده شركة سوفت وير
منى : و أكيد حكى لك هو كان بيعمل شغل لمين فى الفترة الأخيرة
سوزان : لأ ما حكاليش .. هو ما كانش بيتكلم كتير عن شغله .. ما تقوليلى فيه ايه و تريحينى
تلفتت منى حولها و كأنها تتفحص المحيطين بهم , ثم عادت لتستقر بعينيها على وجه سوزان
منى : من فترة كدة خالد بدأ يعمل برنامج كمبيوتر لجهة حساسة .. و من اسبوعين تقريباً لقى برنامج مخفى فى جهاز الكمبيوتر الرئيسى للجهة دى
صمتت منى لوهلة , و هى تراقب وجه سوزان , و كأنها ترى وقع كلامها عليها , فيما كانت سوزان تنظر اليها فى ترقب انتظاراً لباقى القصة .. فعادت لتستأنف حديثها
منى : انتِ عارفة طبعاً ان خالد عبقرى فى الكمبيوتر و البرامج .. فقرر انه يعرف ايه البرنامج المخفى ده و بيعمل ايه بالضبط .. فضل يدور وراه من غير ما يجيب سيرة لحد , و لا حتى المهندس اللى معاه من شركته .. و أخيراً من كام يوم بس قدر ياخد نسخة من البرنامج على فلاشة علشان يشتغل عليها فى البيت براحته .. أكيد قالك حاجة عن الموضوع ده ؟
ردت سوزان على الفور فى ضيق : يا منى باقولك خالد ما كانش بيتكلم خالص عن شغله
رسمت منى علامة استنكار على وجهها , و أكملت حديثها : من يومين بعتوا لخالد رسالة تهديد على الموبايل بتاعه بإنه أحسن له يخليه فى شغله و يبطل محاولة اختراق البرنامج
قالت منى عبارتها الأخيرة و صمتت لفترة طويلة فى انتظار تعليق سوزان على ما سمعته .. فيما سرحت سوزان بنظرها و فكرها بعيداً و هى تسترجع الأيام الأخيرة من لقاءاتها بخالد .. و أخذت تهمس و كأنها تُحدث نفسها .. فعلاً خالد كان بيسرح كثير الأيام الأخيرة , و لما كنت باسأله كان بيقول مافيش حاجة .. لدرجة انى شكيت ان فيه حد تانى فى حياته .. بس حبه ليا و كلامه الجميل , طردوا الشك ده على طول .. ما قلتليش ليه يا خالد على اللى كان شاغلك .. خبيت عليا ليه يا حبيبى .. مش كنت دايماً بتقولى انى أقرب واحدة ليك .. ازاى أبقى أقرب واحدة ليك و تخبى عليا كل ده
أفاقت سوزان و هى تناجى نفسها و تعاتب حبيبها .. فنظرت الى منى برجاء و خوف و قد شعرت بالخطر الذى يتهدد حبيبها , و أن اختفاءه قد يكون معناه أن حياته فى خطر
سوزان : طيب و احنا ساكتين ليه .. ما نروح نبلغ البوليس
منى : تفتكرى أنا ما فكرتش فى كدة .. لو بلغنا البوليس ممكن جداً يتخلصوا من خالد , و أنا مش ممكن أخد المخاطرة دى
سوزان : طيب نعمل ايه يعنى .. نقف نتفرج ؟
منى : اللى أنا فكرت فيه ان خالد ممكن يكون عمل نسخة من البرنامج على كارت ذاكرة صغير و اداهولك تخبيه عندك .. لو كدة يبقى ممكن نساومهم انهم يسيبوا خالد و نديهم كارت الذاكرة
نظرت سوزان الى منى فى دهشة و استنكار و هى تقول جملتها الأخيرة .. ثم أخذت نفس عميق لتُهدئ من اضطرابها و قالت و هى تضغط على مخارج الكلمات , كأنما تؤكد ما تقوله
سوزان : كارت ميمورى ايه اللى اداهولى ده .. باقولك ما كانش بيكلمنى عن شغله خالص , تقومى تقوليلى ادانى كارت ميمورى أخبيه عندى
منى : أنا قلتلك على اللى فكرت فيه .. أومال يعنى خطفوه ليه
سوزان : و أنا أعرف منين خطفوه ليه .. و بعدين مين قال انهم خطفوه أصلاً , هما اتصلوا بيكى ؟
منى : لأ ماحدش اتصل بيا لحد دلوقتى , بس ممكن يتصلوا بيا أو بيكى لما يطمنوا اننا ما بلغناش البوليس
مرت لحظة صمت و كأن كلاً منهما تفكر فى الطريقة المناسبة للتصرف .. و بعد وهلة قطعت سوزان الصمت قائلة
سوزان : قوليلى يا منى .. انتِ عرفتى نمرة تليفونى منين .. و عرفتى كمان المكان اللى بنتقابل فيه ازاى ؟
منى : خالد هو اللى ادانى نمرة تليفونك , و هو اللى قالى على مكان مقابلتكم .. أصل خالد بيحكى لى دايماً على كل حاجة
ابتسمت سوزان رغماً عنها .. فمعنى أن يحكى خالد لأخته عنها , أنه جاد فى حبه لها .. و سرعان ما أخفت ابتسامتها , فليس من المناسب أن تبتسم فى ظروف مثل هذه , و حياة خالد فى خطر .. الا أنها لم تتوقف عن التفكير
تُرى ما الذى قاله خالد لمنى عنى ؟! هل صارحها بأنه يريد الزواج منى أم لا ؟! .. تمنت لو استطاعت أن تسألها , الا أنها قاومت فضولها , و نظرت ناحية البحر هرباً من أن تفضحها عيناها بما يجول فى خاطرها
قطعت منى الصمت و هى تسأل سوزان
منى : تفتكرى خالد ممكن يكون خبأ كارت الميمورى فين , خصوصاً و انه مالوش أصحاب قريبين منه أوى .. و الفترة الأخيرة كان وقته كله ما بين الشغل أو معاكى
تعجبت سوزان من الطريقة التى نطقت بها منى جملتها الأخيرة .. شعرت و كأن منى تغير من علاقتها بخالد .. هل هى فعلاً غاضبة أنه قد أصبح فى حياة خالد من هى أقرب اليه منها .. هل هى مُستاءة من تعلق خالد بحبيبة قد تبعده عن أخته ؟
ردت سوزان بعد وهلة : ممكن يكون كارت الميمورى فى بيت خالد .. و ده أكيد حجمه صغير جداً و ممكن يخبيه فى أى مكان
ردت منى باستنكار : أكيد مش هايخبيه فى البيت لأن أول مكان هايدوروا فيه هو بيته طبعاً
شعرت سوزان بالسخرية التى فى لهجة منى , فقررت انهاء المقابلة
سوزان : أنا تأخرت و لازم أمشى دلوقتى .. لو فيه حاجة جديدة نبقى نتكلم فى التليفون
قالت ذلك و قامت على الفور , و مدت يدها لتُسلم على منى , التى بدا عليها أنها تفاجأت من مغادرة سوزان السريعة , فترددت قليلاً قبل أن تمد يدها لتصافح سوزان و هى تقول
منى : احنا لازم نبقى على اتصال على طول و تكلمينى فوراً لو افتكرتى أى حاجة
سوزان : أكيد هانبقى على اتصال
قالت ذلك و استدارت و غادرت الكافيه بخطوات سريعة , و كأنها تفر من هذا المكان الذى أصبح كئيباً فى غير وجود خالد
مضت سوزان الى سيارتها دون أن تلتفت وراءها , و ما أن وصلت حتى ركبت السيارة و أدارتها و انطلقت الى منزلها .. كانت تقود السيارة و عقلها مشغول بالتفكير فى الأحداث السريعة المتلاحقة التى مرت بها فى اليومين الأخيرين , و كيف تحولت قصة الحب التى كانت تعيشها مع خالد الى ما هى فيه من خوف و قلق .. كانت تحاول طمئنة نفسها بأن خالد بخير , و أنه لا يمكن أن يكون قد تعرض لأى خطر .. فهى لا تتحمل مجرد التفكير فى تعرض حياته للخطر .. و فجأة و دونما أى سبب شعرت و كأن هناك من يتتبعها .. نظرت فى مرآة السيارة فوجدت الكثير من السيارات خلفها و لم يلفت انتباهها سيارة معينة .. تحفزت حواسها و أخذت تغير من مسارها فى حركات مفاجئة و هى تراقب السيارات التى خلفها فى المرآة لعلها تتعرف على السيارة التى تراقبها و تتتبعها , و لكن دون جدوى .. دخلت الى منطقة هادئة فلم تجد خلفها سيارة تتبعها .. تعمدت السير ببطء طوال  الشارع القصير و هى تنظر فى المرآة , فلما بلغت نهاية الشارع أسرعت بالسيارة و دخلت الى شارع أكبر , ثم أسرعت أكثر و اختفت فى زحام السيارات
وصلت الى منزلها فركنت السيارة فى مكانها المعتاد .. و نزلت منها فوقفت الى جوار سيارتها لدقائق و هى تتلفت الى اليمين و الى اليسار حتى اطمئنت تماماً أنه لا يوجد من يتتبعها , فأغلق السيارة و دخلت الى المنزل .. أغلقت باب شقتها خلفها بالمفتاح لأول مرة , و دخلت غرفتها فغيرت ملابسها سريعاً و ألقت بنفسها على الكرسى بجوار السرير
آآآه .. ما هذا الصداع الرهيب الذى يكاد يفتك برأسها .. قامت الى المطبخ فضغطت على الغلاية , ثم صبت لنفسها كوباً من الماء و ذهبت الى غرفتها فتناولت قرصين من مُسكن الصداع , ثم عادت الى المطبخ فأعدت النسكافيه , و ذهبت به الى الغرفة و دخلت فراشها و هى ممسكة بالنسكافيه .. انها حقاً تحتاج الى أن تُهدئ من روعها و تُفكر بهدوء

صفحة من مذكرات امرأة عاشقة
(12)
.......... رسالة تحذير ..........

أخذت سوزان تستعيد تفاصيل اللقاء و الحديث الذى دار بينها و بين منى .. لم ترتاح لمنى , فبرغم ما أبدته من خوف على خالد الا أن صوتها كان يحمل الكثير من البرود .. تعجبت أكثر و قد استشعرت أنها كانت تبدو و كأنها تهتم بكارت الميمورى أكثر مما تهتم بخالد .. و تعجبت كذلك كيف تدعى أن خالد يحكى لها كل شئ و مع ذلك لم يذكر لها مكان الكارت
قالت لنفسها بصوت هامس "فيه حاجة غلط بس مش عارفة ايه هى" .. نظرت حولها و كأنها تتفقد الغرفة .. و فجأة شعرت باختناق , و بالوحدة , و بالخوف .. هل عادت وحيدة مرة أخرى .. هل لن تسمع صوت حبيبها ثانيةً .. أخذت دموعها تنساب و هى تتساءل فى صمت .. أين صوتك الذى كان يدفئنى بالليل و يحتوينى بالنهار .. أين أحلامك لنا بالسفر بعيداً على ذلك الشاطئ الجميل نملؤه حباً و مرحاً .. تداعت الذكريات , فرأت نفسها مع خالد يوم ذهبوا الى المنتزة , و هما يركضان و يغنيان سوياً أغانيهما التى يحفظانها .. أخذت تدندن فى همس و قد زادت دموعها : علشان احنا مع بعضينا و لأول مرة لوحدينا و لا حدش بيبص علينا غير فرحة قلبنا و عنينا
توقفت عن الغناء , و مسحت دموعها المنهمرة , و أمسكت بتليفونها و أخذت تفر الصور حتى وجدت صورة التقطتها له و هو يقف على صخرة , فاتحاً ذراعيه و كأنه يحتضن الدنيا , و البحر يبدو خلفه واسعاً ممتداً .. كبرت الصورة , ثم قامت فأحضرت اللاب توب و أوصلت التليفون به و نقلت الصورة اليه , ثم كبرتها حتى ملأت الشاشة .. و أخذت تناجيه بحنان .. وحشتنى يا حبيبى و وحشنى صوتك .. وحشنى حبك .. وحشنى حنانك .. بحبك .. بحبك
مسحت سوزان دموعها و قامت فغسلت وجهها بالماء البارد , ثم عادت لفراشها مرة أخرى و أخذت تفكر فيما تستطيع أن تفعله لتنقذ حبيبها .. و لكن ماذا لديها لكى تفعل شيئاً .. انها لا تعرف مع من كان يعمل , و لا من الذين يطاردونه , و لا مكان كارت الميمورى .. لا شئ على الاطلاق .. انها حتى لا تعرف أين يسكن !! .. عندما وصلت سوزان لهذا السؤال أمسكت بالتليفون و طلبت رقم منى .. و سرعان ما جاءها صوت منى
منى : آلو يا سوزان .. افتكرتى حاجة
سوزان : لأ خالص .. أنا بس قلت لازم نروح شقة خالد , و أكيد انتِ معاكى مفتاح
منى : نروح شقة خالد نعمل ايه
سوزان : ندور على كارت الميمورى , أو أى خيط نبدأ منه
منى : و تفتكرى لو كان كارت الميمورى هناك كانوا هايبقوا لسه سايبينه
سوزان : و الله ماعرفش بس احنا لازم نروح الشقة فى جميع الأحوال .. هاقابلك بعد الشغل الساعة 5 فى نفس المكان .. تصبحى على خير
أغلقت سوزان الخط و هى تقول لنفسها كم تكره منى .. كيف يمكن أن يكون لخالد الرقيق الحنون أخت مثل هذه ؟
استيقظت فى الصباح و هى تعانى من الصداع الذى أصبح يتكرر كثيراً فى الأيام الأخيرة .. أعدت نفسها سريعاً و خرجت فى طريقها للعمل .. و ما أن انطلقت بالسيارة حتى شعرت مرة أخرى بأن هناك من يتتبعها .. نظرت فى المرآة , و لكنها لم تستطع أن تميز سيارة معينة وسط زحام السيارات من خلفها .. طردت الفكرة من رأسها و أكملت طريقها حتى وصلت ساحة الانتظار
بدا اليوم طويلاً لا ينتهى .. كانت تعمل و هى شاردة الذهن , تفكرأحياناً فى خالد و كيف تستطيع العثور عليه .. ثم تفكر فى منى و طريقتها الجافة فى الكلام و التعامل حيناً آخر .. طلبها مديرها عند منتصف النهار , فلما ذهبت اليه أخذ يطمئن عليها و على نتيجة فحوصاتها الطبية .. طمأنته بأن كل شئ على ما يرام و أن الطبيب أخبرها بأنها فى الغالب تعانى من بعض الضغوط , الا أن المدير شعر بتوترها فاعتقد أنها تخفى شيئاً .. ألح فى السؤال فأقسمت له أنها بخير و استأذنته لتنهى أعمالها
ما أن اقتربت الساعة من الرابعة , حتى أقفلت الملفات المفتوحة و رتبت مكتبها و استعدت للمغادرة .. مضت الى سيارتها و هى متحفزة تفكر فى موعدها مع منى .. كانت تتمنى أن تكتشف أى خيط  قد يساعدها فى العثور على حبيبها , و تحاول أن تخفى شوقاً لرؤية شقته التى يعيش فيها .. فكرت فى أنها سترى عن قريب فراشه الذى ينام عليه , و أين يأكل .. كانت واثقة أنها تعرف ذوقه و اختياره , فرسمت صورة للشقة فى ذهنها
كانت تقف أمام سيارتها تحاول العثور على المفاتيح , عندما لاحظت ورقة على الزجاج الأمامى تحت المساحة .. التقطت الورقة و فتحتها فكانتأول كلمة مكتوبة بالخط الكبير : احترسى
أطبقت يدها على الورقة , و أخرجت المفاتيح و فتحت السيارة و دخلت سريعاً ثم أغلقت الباب على نفسها من الداخل و أدارت السيارة , ثم فتحت الورقة لتقرأ ما فيها .. ما كادت تقرأ أول كلمة حتى انتبهت على طرقات على زجاج الباب المجاور لها .. أطبقت كفها على الورقة بشدة و التفتت فى ذعر لترى رجلاً حسن الهندام يقف عند باب سيارتها و يشير لها أن تُنزل الزجاج .. شعرت برعب شديد و أدارت رأسها و ضغطت على دواسة البنزين و انطلفت الى الخلف بسرعة حتى كادت أن تصطدم بسيارة قادمة .. ضغطت على الفرامل حتى مرت السيارة التى أشار لها سائقها بما معناه أن تحترس فى قيادتها , فيما تحرك الرجل الذى كان يطرق على زجاجها فاقترب منها مرة أخرى و هو يتحدث اليها و يشير بأن تفتح الزجاج .. أدارت رأسها للخلف مرة أخرى و انتظرت مرور السيارة و خلو الطريق بفارغ الصبر و الرجل ما زال يطرق على زجاجها .. ما أن خلا الطريق حتى انطلقت للخلف مرة أخرى سريعاً ثم أدارت عجلة القيادة و انطلقت خارجة من ساحة الانتظار و الرجل يركض خلفها .. نظرت فى المرآة فوجدت الرجل واقفاً وسط الطريق و هو يشير بيديه ثم اختفى من المرآة بعد أن خرجت الى الشارع وسط زحام السيارات
كان العرق يتصبب منها و قلبها يدق بشدة , فيما راحت الأفكار تتدافع فى عقلها .. ترى هل يحاولون خطفها كما فعلوا مع خالد .. و من الذى ترك لها هذه الورقة لينبهها ؟ .. هل هى منى ؟ .. و لماذا لم تتصل بها بالتليفون لتحذيرها ؟ .. هل خطفوها هى الأخرى ؟ .. الكثير و الكثير من الأسئلة بلا اجابة
كان الخوف يملؤها , و فكرت فى التوقف لتقرأ رسالة التحذير التى لم تستطع حتى الآن الا قراءة كلمة واحدة منها , هى "احترسى" .. ترى ما هى بقية الرسالة .. و مما تحذرها بالضبط ؟!! .. و لكن سرعان ما طردت الفكرة , فليس من الحكمة اطلاقاً أن تتوقف الآن و قد يكون هناك من يتعقبها .. من الأفضل أن تنتظر الى أن تقرأها فى منزلها .. أكملت طريقها حتى دخلت الشارع الذى تسكن فيه , و أوقفت السيارة أمام الجراج فى مكانها المعتاد .. أطفأت المحرك و انتظرت لوهلة ثم غادرت السيارة و أغلقتها و وقفت تتلفت حولها و هى تبحث عمن يطاردها .. و لما لم تجد شيئاً يثير الشك , دخلت المنزل و صعدت الى شقتها فدخلت و أغلقت الباب خلفها بالمفتاح و أضاءت الأنوار , ثم جلست على الكنبة فى الصالة و أخرجت الرسالة من حقيبتها و فحتها و بدأت فى القراءة

صفحة من مذكرات امرأة عاشقة
(13)
......... المفاجأة ..........

كان الكلام مكتوبأ بخط جميل و لكن من الواضح أنه كُتبَ على عجل .. فى صدر الورقة كانت كلمة "احترســى" مكتوبة بخط كبير , أكبر من الكلام فى بقية الورقة .. و فى السطور التالية قرأت الآتى
حبيبتى سوزان , أنا بخير و لكن اضطررت للأختفاء لظروف من الصعب شرحها هنا , و سأشرحها لكِ عندما نلتقى قريباً ان شاء الله .
هناك جماعة من الأشرار يطاردوننى , و هم فى غاية الخطورة .. حياتك و حياتى فى خطر
يجب أن تقدمى على اجازة فوراً و تذهبى للاقامة عند أحد أقاربك اسبوع او اتنين الى أن تنتهى الحكاية على خير ان شاء الله
أهم حاجة : تليفوناتنا تحت المراقبة فاحذرى و لا تثقى بأى شخص حتى لو قال انه من طرفى الا لو ذكر لك كلمة "المنتزة" قبل بداية كلامه .. و أنا أيضاً سأكتب هذه الكلمة فى بداية أى رسالة أرسلها لكِ
فى حالة الضرورة القصوى فقط يمكنك الاتصال بهذا الرقم (كان هناك رقم تليفون مكتوب) , على أن تقولى كلمة منتزة قبل بداية كلامك .. و تأكدى أنك تتصلين من أحد الأكشاك فى الشارع و ليس من تليفونك أو تليفون أحد معارفك
آخر حاجة : تخلصى من هذه الرسالة بالحرق فور الانتهاء من قراءتها
آسف جداً انى عرضتك لهذا الخطر ... أحبك .. خالد
كان قلب سوزان يدق بشدة من الفرح و هى تقرأ الرسالة , فها هو حبيبها بخير و ستراه قريباً كما وعد .. أعادت قراءة الورقة عدة مرات قبل أن تحرقها , و سجلت رقم التليفون على تليفونها تحت اسم "المنتزة" , ثم قامت بحرق الرسالة كما أوصاها حبيبها و جلست لتفكر فيما جاء فيها و ما يجب أن تفعل
فجأة تذكرت موعدها مع منى فنظرت فى ساعتها فإذا هى الخامسة الا الربع .. فكرت قليلاً ثم أمسكت بالتليفون و اتصلت بمنى ..
سوزان : آلو .. أيوة يا منى أنا سوزان , آسقة انى اضطريت أتأخر فى الشغل .. ممكن نأجل الميعاد ساعة على ما أجهز و أجيلك
منى : طيب و ما اتصلتيش بدرى ليه .. أنا فى طريقى للكافيه فعلاً
سوزان : معلش كنا فى اجتماع و ماعرفتش اتكلم الا لما خلصنا
منى : خلاص أنا هاعدى أعمل مشوار و أقابلك الساعة 6 , بس يا ريت بلاش تأخير
سوزان : لأ ان شاء الله مش هاتأخر .. سلام
أغلقت سوزان الخط و نظرت فى ساعتها مرة أخرى .. كانت فى حيرة شديدة , هل تذهب لتقابل منى و تلقى نظرة على شقة خالد , أم تعتذر حيث لم يعد هناك داعى للبحث عن الميمورى بعد أن اتضح أن خالد بخير و أنه هو الذى اختفى بإرادته .. كانت حيرتها الأكبر هى هل تقول لمنى بالرسالة التى جاءتها من خالد أم لا .. كانت متعجبة جداً أن خالد لم يذكر منى فى هذه الرسالة و لم يطلب منها طمأنتها , بل على العكس طلب منها ألا تثق بأحد , فهل يجب أن تثق بمنى أم لا ؟
لم يكن أمامها الكثير من الوقت للتفكير , فأسرعت و غيرت ملابسها و خرجت فى طريقها للقاء منى و قد قررت ألا تذكر لمنى شيئاً عن الرسالة , فلو كان خالد يريد طمأنتها لأرسل لها رسالة مماثلة , أو لطلب منها أن تفعل ذلك ..فى تمام السادسة كانت سوزان تدخل الكافيه .. اتجهت مباشرة الى طاولتها المعتادة , لتجد منى تجلس و هى تنظر الى البحر .. ألقت عليها التحية و تصافحا و جلست
بدأت منى الحديث قائلة : تحبى نطلع على شقة خالد على طول و الا تاخدى حاجة الأول و تريحى شوية ؟
سوزان : أنا جاية من الشغل مباشرة و لسه ماتغدتش .. هاطلب حاجة سريعة كدة و نقوم على طول
نظرت منى حولها حتى وقعت عيناها على الجرسون , فأشارت اليه ليأتى .. دقائق و كانت سوزان قد طلبت وجبة خفيفة فيما طلبت منى كوب من الشاى , فلما ذهب الجرسون بادرت سوزان منى بالسؤال
سوزان : مافيش أخبار جديدة عن خالد ؟
منى : لأ خالص .. لسه ماحدش كلمنى .. حد كلمك انتِ ؟
سوزان : لأ ماحدش كلمنى أنا كمان
ساد الصمت لبرهة فيما كان عقل سوزان يعمل سريعاً , كيف لم يرسل خالد برسالة لمنى ليطمئنها كما أرسل لها .. أم أنه أرسل اليها و هى لا تريد أن تصرح لها بذلك , تماماً كما تفعل هى ؟ .. من غير المنطقى أن يخاف خالد عليها و لايخاف على أخته .. لا بد أنه حذر أخته و طلب منها الاختفاء كما فعل معها .. يجب أن تتحقق من ذلك .. قطعت سوزان الصمت قائلة
سوزان : انتِ عايشة لوحدك يا منى , مش كدة ؟
منى : أيوة , أنا بنتى مسافرة مع جوزها
سوزان : طيب تفتكرى ان الأحسن اننا نروح نقعد مع حد من قرايبنا بدل ما احنا لوحدنا كدة و فيه خطر علينا زى ما بتقولى ؟
منى : لأ مش بيتهيألى انهم يفكروا يعملوا حاجة فينا طول ما خالد معاهم
سوزان : طيب هو انتِ عرفتى منين انهم خطفوا خالد , مش يمكن سافر فى شغل و الا حاجة
منى : لو كان مسافر فى شغل كان كلمنى و قالى
عند هذه النقطة كانت سوزان تكاد تكون متأكدة أن المرأة التى تجلس أمامها ليست منى أخت خالد , و لكنها تتبع الذين يطاردون خالد و قد انتحلت شخصية منى لتقترب منها و تعرف طريق كارت الميمورى و ربما طريق خالد أيضاً
كان الطعام قد وصل , فبدأت سوزان تتناوله و هى تعلم أنها بمجرد الانتهاء منه سيكون عليها أن تصحب منى الى شقة خالد , و هى لا تدرى ما الذى أعدوه لها .. ربما خطفوها ليضغطوا على خالد لتسليمهم كارت الميمورى أو تسليم نفسه لهم .. ماذا عليها أن تفعل الآن ؟!  كيف تخرج من هذا المأزق الخطير ؟
أخذت سوزان تتناول طعامها ببطء و هى تبذل كل جهدها لكى لا يبدو عليها أى توتر أو أنها اكتشفت الحقيقة .. أخذت تتحدث الى منى عن خالد و عن قلقها عليه , و هى فى نفس الوقت تفكر فى طريقة للهروب .. فكرت فى أن تصرخ و تحتمى بالناس الجالسين بالكافيه , و لكنها خشيت أن يكون من بينهم من يتبع المختطفين و قد تتطور الأمور لتعريض حياتها للخطر .. و قبل أن تنتهى من الطعام كانت قد قررت ماذا ستفعل
فجأة توقفت سوزان عن الطعام و أمسكت ببطنها و كأنها تتألم .. سألتها منى عما بها , فأجابتها بأن بطنها تؤلمها و أنها تشعر بغثيان , ثم قامت قائلة أنها ستذهب للحمام و تعمدت أن تترك الشال الذى  كانت قد أسندته على الكرسى المجاور لها و أخذت حقيبتها و قامت .. كانت تعلم أن الحمام يقع فى الجهة الخلفية من الكافيه و أن منى لن تستطيع رؤيتها و هى تدخل أو تخرج , و لكنها كانت متأكدة أن هناك من يراقبها من المختطفين و أنها لا تستطيع المغادرة بسهولة .. دخلت الى حمام السيدات و أغلقته على نفسها و اتجهت مسرعة الى الشباك الموجود به و حاولت فتحه و لكنه لم تستطع .. حاولت مرة أخرى و فشلت مجدداً .. رجعت الى الخلف ثم تقدمت للأمام بسرعة و ركلت الزجاج بقوة فكسرته .. أخذت تزيل قطع الزجاج المتبقية فى اطار الشباك بقدر ما تستطيع حتى لا تجرح نفسها و هى تقفز منه , ثم قفزت الى الخارج .. سقطت على الأرض و هى تشعر بألم فى ساقها .. قامت سريعاً و قد تمزق جزء من البنطلون الجينز الذى ترتديه من عند الساق , و كانت ساقها تنزف .. لم يكن هناك وقت لتفحص ساقها , فأسرعت بالجرى و نزلت الى الشارع الخلفى ..
كانت ساحة الانتظار التى أوقفت فيها سيارتها تقع الى اليمين فى أحد الشوارع خلف الكافيه , و لكنها فكرت فى أنه من الأفضل ألا تأخذ سيارتها فربما يكون هناك من ينتظرها عندها , فاستدارت الى الجهة الأخرى و مشت بخطى سريعة مبتعدة عن الكافية حتى اختفى عن نظرها

صفحة من مذكرات امرأة عاشقة
(14)
.......... الهروب ..........

ظلت سوزان تدخل من شارع لآخر و هى تسرع بالخطى لتضلل من يحاول تتبعها .. كانت ساقها تؤلمها بشدة و الدماء تنزف منها , و لكنها لم تستطع التوقف فقد كان تعلم أنهم قد اكتشفوا فرارها و سينتشرون بحثاً عنها .. ماذا تفعل الآن , و أين تذهب .. بالطبع هى لا تستطيع الذهاب الى منزلها , كما أنها لا تستطيع الاتصال من تليفونها .. استمرت فى السير حتى وصلت الى محطة الترام , و انتظرت وصوله , ثم استقلته فى اتجاه محطة الرمل
وصلت سوزان محطة الرمل و هى تشعر أن قواها تخور .. كانت الدماء ما زالت تنزف من الجرح الموجود فى ساقها .. نزلت من الترام و هى تشعر بأنها أكثر أماناً الآن , فاتجهت الى أقرب صيدلية و دخلت فاشترت مطهر للجروح و قطن و شاش و طهرت جرحها و ضمدته .. خرجت من الصيدلية و هى تشعر بدوار يزداد شيئاً فشيئاً , فوقفت أمام أحد الأشخاص الذين يضعون يافطة مكتوب عليها "الاتصال بالمحمول 50 قرشاً للدقيقة" .. أخرجت تليفونها و بحثت عن الرقم الذى كتبه لها خالد فى رسالته و اتصلت به .. جاءها صوت جرس التليفون على الطرف الآخر .. لحظات و سمعت صوت رجل لا تعرفه
سوزان : آلو .. أنا سوزان اللى جاية من المنتزة
الرجل : أهلاً سوزان .. أنتِ بخير ؟
سوزان : أنا كويسة الحمد لله , بس تعبانة شوية و فيه ناس بيجروا ورايا ..  لازم أقابل خالد فوراً
الرجل : انتِ فين دلوقتى
سوزان : فى محطة الرمل
الرجل : خلاص اقابلك فى أتينيوس كمان نص ساعة
سوزان : و فين خالد .. أنا عاوزة أقابل خالد
الرجل : خالد مش هاينفع ييجى , لكن أنا لما آجى هاخدك عنده
سوزان : طيب و أنا هاعرفك ازاى ؟
الرجل : أنا اللى هاعرفك و هاقولك نفس كلمة السر .. نص ساعة و أكون عندك فى أتينيوس ان شاء الله
سوزان : ماشى أنا هاكون هناك ما تتأخرش .. سلام
أغلقت سوزان الخط و هى تشعر ببعض الاطمئنان و ان ضايفها عدم مجئ خالد , فكيف يعلم أنها فى خطر و أن هناك من يطاردها و لا يسرع اليها بنفسه .. ليس هذا ما كانت تتوقعه منه
سارت الى أتينيوس بخطى بطيئة , و ساقها ما زالت تؤلمها , و الدوار يزداد حتى كادت أن تفقد توازنها .. كان الليل قد حل و بدأت نسمة من الهواء الجميل فى التحرك لتكسر من حدة حرارة الجو ..  دخلت من الباب الموجود جهة محطة الرمل و اختارت طاولة جانبية بعيدة عن الواجهة الأمامية المطلة على البحر , و ألقت بنفسها على الكرسى و هى تشعر بإرهاق شديد .. دقائق و جاءها الجرسون فطلبت زجاجة من المياه الباردة و كوب من الثلج و فنجان من القهوة , و ما أن انصرف الجرسون حتى أسندت رأسها على الحائط من خلفها و هى تقاوم الاستسلام للنوم
لم تدرِ كم من الوقت مرّ عليها و هى نائمة أو غائبة عن الوعى , و لكنها أفاقت على صوت منى و هى تقول " كنتى فاكرة انك تقدرى تهربى مننا بسهولة كدة " .. رفعت رأسها بصعوبة و نظرت حولها فطالعها و جه منى و قد ارتسمت عليه ابتسامة ماكرة شريرة , و الى جوارها كان يقف رجلاً متجهم الوجه ضخم الجثة .. أدارت وجهها فوجدت شخصاً آخر يجلس الى جوارها و هو ممسك بذراعها و قد أسند يده الأخرى على الطاولة و بها حقنة .. أدركت على الفور أنهم قد أعطوها حقنة مخدرة أو منومة .. حاولت أن تُفلت ذراعها من يد الرجل , و لكنها لم تستطع , إذ كان يُمسك بها بقبضة حديدية .. فكرت فى أن تصرخ طلباً للنجدة , و لكن صوتها لم يخرج .. انسابت دموعها و تسارعت دقات قلبها خوفاً و رُعباً , و تمنت فى هذه اللحظة أن يأتى خالد لينقذها من يد هؤلاء الأشرار .. كانت تعلم أن صديق خالد على وشك الوصول , فقد مضى وقت كافى منذ اتصلت به و حتى الآن .. أين أنت أيها الصديق الغريب .. أين أنت أيها الحبيب البعيد
لحظات و اقتربت منى منها و أشارت الى الرجل الجالس بجوارها , فبدأ يحمل جسد سوزان الواهى و هو يلف يدها حول عُنقه , و يدهُ حول وسطها .. حاولت أن تقاوم و لكن قواها الخائرة خذلتها .. حملها حتى وقفت على قدميها أو كادت , و جاءت منى فأمسكت بذراعها الأخرى و مشوا بها فى اتجاه باب الخروج من جهة البحر .. كانت تشعر بكل شئ , و لكنها لم تكن تستطيع الصراخ أو المقاومة .. سمعت بعض الواقفين و هم يسألون عمّا بها , و سمعت منى و هى تُطمئنهم بأنها متعبة قليلاً .. يبدو أن وجود منى الى جوارها بملابسها الأنيقة و وجهها الجميل كان يصرف نظر الناس عن كونها مخطوفة
خرجوا الى طريق الكورنيش , و اتجهوا الى سيارة سوداء كبيرة كانت فى انتظارهم أمام الباب مباشرةً , و قد جلس السائق على مقعد القيادة .. تعجبت سوزان أنها تُختطف أمام كل الناس دون أن يثير ذلك المشهد ريبة أحد .. و فجأة و قبل أن تدخل السيارة لمحت على الرصيف المقابل من الكورنيش حبيبها خالد .. حاولت أن تصرخ بكل ما لديها من قوة , و لكن صوتها خانها مرة أخرى .. حاولت أن تنتفض و تتملص من قبضة الرجل الذى يحيط خصرها بيده , و لكنها كانت كالمشلولة .. تمنت أن ينظر اليها خالد ليرى أنهم يخطفونها , و لكنه كان مشغولاً بمراقبة السيارات ليتمكن من عبور الطريق .. انهمرت دموعها أكثر و أكثر و بكت بحرقة و أخذت تصرخ بأعلى صوت .. خالد .. خالد .. خالد .. و لكن صوت صراخها العالى لم يكن يخرج الا همهمة خافتة يكاد الواقف بجوارها لا يسمعها .. و أخيراً أدخلوها السيارة و ركبوا بجوارها من الجانبين و أغلقوا الأبواب و انطلقت السيارة بهم الى المجهول

صفحة من مذكرات امرأة عاشقة

(15)
........... اللقاء ...........

أفاقت و هى ما زالت تُتمتم باسم خالد , تحاول أن تصرخ فلا يخرج صوتها الا همهمة .. شعرت بيد تربت على كتفها و صوت يناديها باسمها , ففتحت عينيها و رفعت رأسها .. كان هناك رجلاً غريباً يجلس على الكرسى بجوارها فما أن رآها تفتح عينيها حتى قال
الرجل : مدام سوزان انتِ كويسة ؟
نظرت سوزان حولها فإذا بها ما زالت تجلس فى أتينيوس على نفس الطاولة التى جلست عليها عندما دخلت .. استجمعت أفكارها و علمت أنها كانت تحلم , فحمدت الله و نظرت الى الرجل متسائلة
سوزان : انتَ مين ؟
الرجل : أنا طارق صاحب خالد .. اللى كلمتينى فى التليفون من شوية
سوزان : و فين خالد
طارق : خالد ما يقدرش ييجى .. أنا هاخدك عنده دلوقتى
سوزان : أنا لحد دلوقتى مش فاهمة حاجة من اللى بيحصل , ممكن تفهمنى
طارق : لما نروح لخالد هايفهمك كل حاجة
سوزان : طيب يالا بينا
قامت سوزان و معها طارق بعد أن دفعت الحساب , و اتجهوا الى الخارج .. كان الليل قد هبط و حركة السيارات فى الشارع كثيفة .. اتجهواسيراً على الأقدام الى شارع صغير قريب من أتينيوس , حيث كان طارق قد أوقف سيارته الصغيرة .. فتح لها الباب حتى ركبت , ثم اتجه للباب الآخر ففتحه و ركب و أدار السيارة و انطلق ..
لم يتوقف عقل سوزان عن التفكير .. كانت متوجسة و قلقة من كل ما يحدث حولها , و لكن لم يكن أمامها الا أن تُكمل ما بدأته و تذهب مع هذا الشخص الغريب عليها , أملاً فى الوصول لخالد حتى تضع حداً لكل هذه الأحداث الغريبة المتلاحقة .. كانت تشعر و كأن شخصاً قد ألقى بها فى بحر متلاطم الأمواج دون أن تكون مستعدة .. و ها هى تصارع من أجل البقاء
قاد طارق السيارة فى اتجاه شارع أبو قير , و سوزان تراقب الطريق فى صمت .. مروا على سيدى جابر حتى وصلوا الى شارع مصطفى كامل فى حى بولكلى , ثم اتخذ طارق الاتجاه الأيمن و دخل الى شارع صغير الى اليمين , و هدأ من السرعة و هو يبحث عن مكان ليوقف فيه السيارة .. كانت سوزان قد حفظت الطريق الذى سار فيه تحسباً لأى شئ , فهى و ان كانت قد ذهبت معه الا أنها لم تكن واثقة فيه
أطفأ طارق محرك السيارة و هبط منها , فسارعت سوزان بالهبوط من السيارة هى الأخرى , و وقفت تتأمل الشارع .. كانت تعلم المكان جيداً , فبالقرب من هنا تسكن ابنة خالتها هى و زوجها .. اقترب منها طارق و قال لها بصوت منخفض : وصلنا خلاص , ثوانى  و تشوفى خالد و يحكيلك على كل حاجة
أشار طارق الى عمارة قريبة و قال : هى دى العمارة
دخلا العمارة و اتجها الى السلم .. لم يكن هناك مصعداً , فصعدا على السلم حتى الدور الثالث .. اتجه طارق للشقة البعيدة عن السلم و أخرج مفتاحاً و فتح باب الشقة و أشار لها بالدخول .. دخلت سوزان الشقة بتردد و وقفت فى الصالة تنظر فى حيرة , و من خلفها دخل طارق و أغلق باب الشقة
كانت الصالة واسعة و على جانب منها سفرة مستديرة بستة كراسى , و على الجانب الآخر طقم أنتريه متواضع مكون من كنبة كبيرة و أربعة كراسى فوتى كبيرة , و فى الوسط منضدة مستطيلة عليها مفرش أنيق و فازة بها ورد صناعى .. فى الجهة المقابلة لباب الشقة كانت هناك طرقة عليها ستارة , و الى اليمين كانت هناك طرقة صغيرة عليها ستارة مفتوحة , بدا من خلفها المطبخ و الى جواره باب مغلق ظنت سوزان أنه حمام
تقدم طارق الى وسط الصالة و أشار الى سوزان بالجلوس قائلاً : اتفضلى استريحى .. ثم اتجه الى الطرقة و أزاح الستارة و اختفى بالداخل .. ظلت سوزان مترددة فى الجلوس لثوانى , ثم اتجهت لأحد الكراسى و جلست على حافته و كأنها تتأهب للقيام فى أى لحظة .. كانت عيناها متركزة على الستارة التى تحجب رؤية الطرقة التى خلفها و التى دخلها طارق منذ ثوانى , و هى تحبس أنفاسها و قد ارتفع صوت دقات قلبها
مرت الثوانى منذ اختفاء طارق خلف الستارة بطيئة متثاقلة و كأنها دهراً .. و فجأة أزاح خالد الستارة و دخل الى الصالة .. التقت عيناهما ببعض , فتجمدوا فى مكانيهما للحظات و هما يهمسان بأسماءهما , ثم انطلقا ليلتقيا فى عناق حار طويل , أخرجت فيه كل مشاعر الخوف و القلق و التوتر و الافتقاد لتحل محلها مشاعر الحب و الأمان و الدفء و الحنان .. كانت دموعها تسيل من الفرحة , و ودت لو ظلت فى أحضانه للأبد .. كان يحتضنها بذراع فيما يتحسس شعرها بيده الأخرى و هو يهمس فى أذنها : وحشتينى يا حبيبتى .. أنا آسف على كل اللى مريتى بيه بسببى .. آسف لكل ثانية غبت عنك فيها .. وحشتينى أوى
استمر عناقهما لفترة طويلة , ثم جلسا على الكنبة و هو مازال يحيطها بذراعه و قد ألقت رأسها على كتفه و هى تُمسك بكفهِ بين يديها .. ثم قالت له بصوت منخفض
سوزان : فهمنى يا خالد ايه الحكاية
خالد : هاقولك يا حبيبتى على كل حاجة
و بدأ خالد يحكى لها

صفحة من مذكرات امرأة عاشقة

(16)
......... الاختفاء ..........

تحدث خالد اليها طويلاً عن الأحداث التى مرت عليه منذ عدة أشهر و حتى وصل الى ما يحدث لهم الآن .. كان يحدثها و هو ما زال يحتضنها و رأسها على كتفه .. شرح لها كيف أن شركته قد تولت صيانة و تطوير برامج و أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهيئة الرقابة على الاتصالات , و أنه أثناء العمل على ذلك اكتشف وجود برنامج كمبيوتر قد تم وضعه فى الكمبيوتر الرئيسى للهيئة بطريقة خفية بحيث لا يظهر لأى مستخدم .. أثار ذلك شكه , فقرر فك شفرة البرنامج لمعرفة وظيفته و طبيعة عمله .. استغرق منه هذا العمل عدة أسابيع , استطاع فى نهايتها اختراق البرنامج و تتبع خطواته فإذا به يكتشف انه برنامج للتجسس و التسجيل يتيح لواضعى البرنامج التصنت على مكالمات كافة المسئولين فى الدولة بكافة الجهات الحساسة , كما يتيح لهم تسجيل هذه المكالمات و ارسالها على الفور لجهاز كمبيوتر خارج الهيئة ..
عندما وصل خالد لهذه النقطة , اعتدلت سوزان فى جلستها و قد أخذتها الدهشة مما قاله
سوزان : طيب و ما بلغتش البوليس ليه فوراً
خالد : كان لازم أعرف مين اللى زرع البرنامج ده فى الهيئة الأول قبل ما أعمل بلاغ
سوزان : طيب و عرفت
خالد : عملت برنامج يتعقب الاشارات المبعوتة من الهيئة و يجيب الآى بى أدرس بتاع الجهة الثانية
سوزان : طيب كويس , يعنى عرفت مين اللى حط برنامج التجسس
خالد : أيوة عرفت , بس هما كمان عرفوا ان فيه حد بيتعقب الارسال لأنهم كانوا حاطين برنامج حماية .. أول ما اكتشفوا ان حد بيخترق البرنامج شكوا فيا أنا و اللى عندى من الشركة , و بعتو ا لكل واحد فينا على تليفونه رسالة تهديد بأنه يبطل محالات اختراق البرنامج و ان حياته فى خطر .. وقتها قلت لازم أختفى فوراً لأنهم مش هاياخدوا وقت طويل على ما يعرفوا انى أنا اللى كشفتهم
صمت خالد لوهلة و هو ينظر لسوزان بنظرة يختلط فيها الحنان بالقلق و التوتر .. و مد يده فأمسك بكفها بين يديه .. ألقت سوزان برأسها على كتفه و قالت بصوت منخفض
سوزان : ما تخافش يا حبيبى .. طول ما احنا مع بعض مش هايحصل غير كل خير ان شاء الله .. المهم دلوقتى اننا نبلغ البوليس بسرعة
خالد : فيه حاجة لسه ما قلتهاش يا سوزان .. اللى زرع برنامج التجسس فى الهيئة هم "الجماعة" .. و معنى كدة انى مش هاقدر أعمل بلاغ لأن النائب العام تبعهم زى ما انتِ أكيد عارفة
سوزان : طيب هانعمل ايه
خالد : أنا فكرت أنا و طارق فى الموضوع و لقينا الحل .. صحيح , أنا لسه ما عرفتكيش على طارق , ده صاحبى من زمان أوى و بيشتغل صحفى فى أكبر جريدة معارضة
سوزان : آه يبقى هاتنشروا الموضوع فى الجورنال علشان تبقى قضية رأى عام و ما يقدروش ينيموها
خالد : بالضبط كدة .. و طارق فعلاً أخد موافقة رئيس التحرير على نشر الموضوع بشرط انه يقرأه الأول و الجريدة يبقى عندها نسخة من برنامج التجسس و الآى بى أدرس .. و ان شاء الله خلال يومين و الا ثلاثة الموضوع يكون اتنشر و ساعتها ابقى أنا و انتِ فى أمان , لأن بعد النشر مش هايبقى له معنى انهم يطاردونا , الناس كلها هاتبقى عارفة و الدليل هايكون فى النيابة
سوزان : الحمد لله , يبقى هانت يا خالد و ان شاء الله اليومين يعدوا على خير و نخلص من الخوف اللى احنا فيه ده
خالد : المهم دلوقتى لازم نشوف مكان تقعدى فيه الكام يوم دول لحد ما كل شئ ينتهى و تبقى فى أمان
سوزان : دى سهلة يا خالد .. أنا عندى واحدة صاحبتى من زمان , اسمها داليا , كانت عايشة برة هى و جوزها مدة طويلة و رجعت مصر من كام شهر و استقرت هنا فى اسكندرية و جوزها بيسافر و يرجع لها كل كام شهر , و أكيد لو قلتلها أقعد عندها كام يوم هاترحب بيا جداً لأنها طول عمرها جدعة
خالد : طيب كلميها دلوقتى حالاً من تليفون طارق و رتبى معاها , علشان لو كدة ينزل طارق يوصلك قبل ما الوقت يبقى متأخر .. هى ساكنة فين ؟
سوزان : ساكنة فى كفر عبدة
خالد : كويس أوى , دى جنبنا هنا على طول .. يالا كلميها و شوفى هاتقولك ايه .. استنى لما أنده طارق و أجيب التليفون منه ..
قام خالد فى اتجاه الطرقة و أزاح الستارة و اختفى للحظات , و عاد و معه طارق الذى أعطى تليفونه لسوزان و جلس هو خالد يتحدثان بصوت منخفض , فيما أمسكت هى بالتليفون و اتصلت بصديقتها داليا .. رن جرس التليفون عدة رنات ثم انفتح الخط و جاء صوت داليا
داليا : آلو
سوزان : آلو , مساء الخير يا داليا .. أنا سوزان
داليا : ايه ده .. أخيراً أكبر ندلة فى اسكندرية افتكرت ان عندها واحدة صاحبتها .. انتِ غطسانة فين يا جبانة و ما بتسأليش عليا
سوزان : ما أنتِ عارفة يا داليا الشغل و الدنيا
داليا : لأ لأ ما تضحكيش عليا , انتِ أكيد وراكى قصة .. أنا بس أشوفك و أنا هاقررك .. وحشانى موت
سوزان : طيب قوليلى هو مجدى هنا و الا مسافر
داليا : لأ مسافر ياختى و شكله كدة مستحلى القعدة هناك , و تلاقيه مهيص من غيرى .. انما بتسألى ليه
سوزان : أصل أنا عايزة آجى أقعد عندك كام يوم كدة لو ينفع
داليا : أنتِ بتستعبطى .. هو ايه اللى لو ينفع .. طبعاً ينفع و نص , و حتى لو كان مجدى هنا .. البيت بيتك يا سوزان ما أنتِ عارفة .. و لو كان مجدى مضايقك كنت أمشيهولك , هو هايبقى أعز منك .. و ضحكت ضحكة طويلة
سوزان : ميرسى يا دودو .. أنا نص ساعة و أكون عندك
داليا : مستنياكى على نار .. ده أنتِ جيتيلى فى وقتك .. أنا كنت زهقانة , و أهو فرصة ننم براحتنا و أعرف حكايتك يا زوزو .. يالا ما تتأخريش
سوزان : على طول يا حبيبتى .. باى
أغلقت سوزان الخط و نظرت الى خالد و هى تعطيه التليفون .. كانت نظرتها مليئة بالحنان و الحب , و لكنها كانت أيضاً و كأن بها رجاء .. نظر إليها طويلاً و قد أمسكَ بيديها و كأنه يحتضنها بعينيه .. ثم قال
خالد : مالك يا حبيبتى .. ما تخافيش من حاجة
سوزان : أنا مش خايفة يا خالد طول ما أنت جنبى .. بس مش عايزة أسيبك .. أنا ما صدقت لقيتك .. انت ما تتصورش أنا حسيت بإيه لما انت اختفيت .. أنا ماعدتش أقدر أعيش من غيرك يا خالد
خالد : و أنا عمرى ما هاسيبك , و لا أقدر أعيش من غيرك انا كمان .. احنا ان شاء الله أول ما نخلص من الحكاية دى نتجوز على طول .. مش لازم نضيع و لادقيقة من عمرنا و احنا بعيد عن بعض
قال خالد ذلك و جذبها إليه برفق , فارتمت هى فى حضنه و قد ألقت برأسها على صدره .. فأخذ يهمس فى أذنها .. بحبك .. بحبك يا سوزان .. و مش هاعيش من غيرك و لا ثانية خلاص
أغمضت سوزان عينيها و هى تشعر أنها فى حلم لا تريد ان تفيق منه .. لماذا لا يتزوجها الآن فتجلس معه هنا و لا تفارقه .. لماذا عليها ان تغادر و تتركه مرة أخرى .. ألا يكفى ما ضاع من عمرها فى وحدة .. هل تأمن على نفسها و عليه و هو بعيد عن عينيها .. كانت هذه الأسئلة تدور فى ذهنها و هى تعانقه , و ودت لو صرحت بها .. إلا أنها تراجعت , فلم يكن يصح ان تبدو متلهفة على الزواج بهذا الشكل .. فلتنتظر إذن هذه الأيام القليلة , و لتدعو الله أن تمر هذه الأيام سريعاً و على خير ليتزوجا فلا يفترقا بعد ذلك أبداً ..
أفاقت من أفكارها على صوت خالد و هو يقول لها
خالد : يالا يا حبيبتى علشان ما تتأخريش
سوزان و هى ترفع رأسها لتنظر إليه : أوكى يا خالد .. بس خد بالك من نفسك و كلمنى على طول
خالد : هاكتبلك رقم تليفون طارق الأرضى , و أول ما توصلى كلمينى من بيت داليا صاحبتك
سوزان : أوكى يا حبيبى .. هاتوحشنى
خالد : أنتِ هاتوحشينى أكثر .. بس احنا هانتكلم على طول
قال ذلك و استدار و نادى على طارق الذى كان قد اختفى بالداخل .. لحظات و جاء طارق ..
طارق : عارفة العنوان كويس يا سوزان
سوزان : آه طبعاً
طارق : طيب يالا بينا
خالد : مع السلامة يا سوزان .. خدى بالك من نفسك , و كلمينى أول ما توصلى على الرقم ده .. و أعطاها ورقة كان قد كتب عليها رقم تليفون منزل طارق
سوزان : مع السلامة يا خالد , خد بالك من نفسك انت كمان
اتجه طارق و سوزان الى باب الشقة , ففتحه طارق و خرج , و خرجت وراءه سوزان و هى تمشى ببطء كمن لا يريد أن يتحرك .. و أغلقا الباب خلفهما

صفحة من مذكرات امرأة عاشقة

 (17)
.......... كفر عبده ..........

يقع حى كفر عبده بين سيدى جابر و رشدى , و هو من أرقى الأحياء السكنية بالأسكندرية .. و قد سُمى بهذا الاسم على اسم شارع كفر عبده الواقع بنفس الحى .. و يتميز هذا الحى بالفيلات و القصور الأثرية و منها فيلا الأميرة فايزة شقيقة الملك الراحل فاروق
نزل طارق على السلم تتبعه سوزان , و خرجوا من العمارة و اتجهوا للسيارة , فيما كان قلب سوزان يعتصرها من الحزن و القلق لفراق خالد , و كأنها ستغيب عنه لسنين و ليس لأيام قليلة فقط .. لم تكن تدرى لماذا كل هذا القلق الذى تشعرُ به .. أخذت تطمئن نفسها بأنه فى مأمن مع طارق , و ما هى الا أيام قليلة حتى يتم نشر الموضوع فى الصحف , ثم يجتمعان مرة أخرى و لكن بالزواج هذه المرة .. فلتسعد إذن و لتتفاءل , و لتتطلع للنهاية السعيدة التى طالما حلمت بها
أفاقت من أفكارها على صوت طارق و هو يدعوها لركوب السيارة بعد أن فتح لها الباب .. فركبت الى جواره و انطلق هو بالسيارة ببطء منتظراً إرشاداتها للطريق .. كانت الساعة تقترب من الثانية عشرة ليلاً و الليل يبدو كئيباً فى غياب القمر .. أخذت سوزان تشير لطارق بالطريق الذى يسلكه و هو يتبع إرشاداتها فى صمت , ثم قطع هذا الصمت قائلاً
طارق : أكيد خالد قالك اننا ضرورى ما نقولش على اللى احنا بنخطط له لأى حد .. انتِ عارفة طبعاً خطورة الوضع , و انهم لو عرفوا أى حاجة ممكن يوقفوا كل اللى بنعمله .. دول مش سهلين خالص
سوزان : ما تخافش يا طارق أنا أكثر واحدة تخاف على خالد
طارق : أنا عارف طبعاً و ماقصدش حاجة و الله .. خالد حكالى عنك كثير .. ربنا ينصرنا ان شاء الله و نفرح بيكم قريب
سوزان : ان شاء الله يا طارق .. ميرسى جداً على كل حاجة
لم يستغرق الطريق الى منزل داليا الا دقائق قليلة .. فحى بولكلى يقع على مشارف حى كفر عبده , و ما هى الا بعض الشوارع الداخلية الصغيرة هى التى تربط بين الحيين
توقف طارق أمام العمارة الراقية التى أشارت اليها سوزان , فسلمت سوزان عليه و صافحته , و تمنى لها هو ليلة سعيدة و نوماً هادئاً فشكرته و بادلته التحية .. ثم فتحت باب السيارة و نزلت منها و اتجهت الى مدخل العمارة , فى حين انتظر هو حتى اختفت عن نظره بالداخل
توقفت سوزان عند حارس الأمن الذى كان يجلس أمام شاشة مراقبة , و سألها عن اسم من تريد زيارته .. ذكرت سوزان اسم داليا فقام الحارس بالاتصال بها عن طريق الانتركوم .. دقائق قليلة و كانت سوزان أمام باب شقة داليا فى الدور الخامس .. قبل أن تضغط سوزان على الجرس , انفتح باب الشقة و ظهرت داليا
داليا : يا أهلاً يا أهلاً بالقمر .. ده أنا لازم أسجل تاريخ النهاردة ضمن المناسبات السعيدة .. ازيك يا جبانة
تعانق الاثنان عناقاً طويلاً , و تبادلا القبلات , فيما كانت سوزان تقول : ازيك يا دودو , وحشانى جداً و الله
داليا و هى تمسك بيد سوزان و تقودها للداخل : سيبك من الأونطة دى , لو كنت وحشاكى صحيح كنتِ سألتى عليا .. بس على العموم أنا هأجل العتاب دلوقتى لحد ما نقعد و ترتاحى و تحكى لى ايه حكاية الزيارات الليلية المفاجأة دى .. طمنينى أحسن أنا من ساعة ما كلمتينى و أنا قلقانة
لم تكن هذه هى زيارتها الأولى لشقة داليا , فقد زارتها العديد من المرات من قبل , و تعرفها جيداً .. داليا من عائلة ثرية معروفة بالاسكندرية .. تصادقا منذ الطفولة , و شبا معاً و قضيا معاً أحلى أيام الشباب .. كانت كل منهما موضع أسرار الأخرى , و استمرت صداقتهما بعد الزواج حتى سافرت داليا مع زوجها الى أوروبا للعمل هتاك .. مرت سنوات الغربة و هما على اتصال أثناء اجازات داليا بمصر , حتى عادت مؤخراً للبقاء بمصر حيث عائلتها و أصدقاءها , بعد أن تعبت من الغربة و زادت رغبتها فى البقاء فى مصر خاصة بعد الثورة حيث كانت تأتى مخصوص لتشارك فى المظاهرات و الاعتصامات و استمرت كذلك حتى قررت النزول و البقاء فى مصر حتى تكون مشاركتها أكثر فعالية للتخلص من حكم الاخوان الذين كانت تراهم أكبر خطر هدد مصر فى تاريخها
كانت الشقة مفروشة بذوق راقى يغلب عليه الطراز الاستيل , و كانت سوزان دائماً ما تُعجب بذوق داليا و حسن اختيارها للألوان و الديكور .. توجهت سوزان لركنها المفضل فى الجانب البعيد من الصالون حيث الإضاءة الخافتة الغير مباشرة , و جلست على باجير من الاثنين الموجودين فى الركن , و جلست داليا على الآخر
داليا : تشربى ايه .. بيتهيألى الوقت متأخر أوى علشان النسكافيه اللى بتحبيه .. أجيبلك تفاح  و الا ليموناتة بالمينت  أحسن ؟
سوزان : لأ أنا عندى صداع جامد .. هاجى معاكى نعمل نسكافيه
داليا : تيجى معايا ايه .. ده انتِ شكلك تعبانة على الآخر .. دقايق و أجيبلك النسكافيه
قالت ذلك و قامت مسرعة و اختفت فى الداخل , فيما لم تمانع سوزان فى البقاء .. كانت تشعر بإرهاق شديد من هذا اليوم الطويل الشاق , و كانت ساقها ما زالت تؤلمها من الجرح الذى أصابها عند هروبها من الكافيه , و إن كانت لم تشعر بهذا الألم و هى مع خالد .. تذكرت أنها لم تتصل بخالد لتطمئنه على وصولها , فقامت و أحضرت التليفون اللاسلكى و طلبت رقم منزل طارق .. لحظات و جاءها صوت خالد على الطرف الآخر , تحدثا سريعاً و طلب منها أن تنام فوراً حتى ترتاح من عناء اليوم الطويل , و تمنى لها أحلاماً سعيدة , و أغلقوا الخط
أغمضت عينيها و هى تسترجع أحداث اليوم و تسترجع ما قاله خالد و الوعد الذى وعدها إياه بالزواج فور الانتهاء من نشر موضوع التجسس .. فتحت عينيها على صوت داليا و هى قادمة بالنسكافيه , و اعتدلت فى جلستها و تناولت الكوب من داليا فوضعته على المنضدة الصغيرة الى جوارها
داليا و هى تجلس : قوليلى بقى ايه حكايتك .. بس حسك عينك تفوتى كلمة
سوزان : هاحكيلك كل حاجة من الأول خالص
مضت سوزان تروى لداليا تفاصيل لقاءها بخالد , و كل ما مرت به من صراع بينها و بين نفسها .. حكت لها كيف عاشت مع خالد أحلى أيام حياتها فى قصة حب طالما حلمت بها .. تحدثت كثيراً عن خالد و طيبته و حنانه فى التعامل معها , و كيف أنه يستطيع احتواءها و تفهمها و تفهم ظروفها , حتى أنها أصبحت لا تطيق البعد عنه و لا تتصور الحياة بدونه .. كانت داليا تستمع لها باهتمام دون أن تقاطعها , و فجأة ابتسمت و قالت و هى تضحك : ايه ده كله يا بنتى .. ده أنا كدة أنا اللى هاحب خالد .. و ضحكت ضحكة طويلة
ضحكت سوزان ثم استرسلت فى الحديث حتى وصلت لاختفاء خالد و اتصال منى .. فقطبت داليا جبينها و قالت : آه طلع متجوز .. أنا قلت مافيش رجالة كدة أبداً
سوزان : متجوز ايه بس , استنى و انتِ هاتعرفى كل حاجة
داليا : حيرتينى .. أومال مين منى دى
حكت سوزان لداليا ما دار بينها و بين منى من أحاديث و لقاءات .. حتى وصلت الى رسالة التحذير و ما كان مكتوباً بها , فاعتدلت داليا فى جلستها و كأنها تتأهب للقيام و قالت
داليا : ايه يا بنتى اللى بيحصلك ده .. ده انتِ عشتى فيلم أكشن .. قوليلى بقى خالد فين و مين دول اللى خطفوه .. و على فكرة أنا مش مرتاحة لمنى دى خالص , و شكلى كدة هاروح أجيبهالك من شعرها
سوزان : طيب مش تستنى لما تسمعى بقية الحكاية
و ضحكت ضحكة قصيرة , ثم استأنفت رواية الأحداث حتى وصلت لهروبها من الكافيه و اتصالها بطارق .. فقاطعتها داليا مرة أخرى قائلة
داليا : مش لسه كنت بقولك أنا مش مرتاحة للى اسمها منى دى .. بس انتِ كدة ريحتى قلبى ان منى دى ما طلعتش أخت خالد .. كدة بقى سيبوهالى و أنا اللى هاخلصلك عليها .. كملى كملى
أكملت سوزان بقية الأحداث و لقاءها بخالد و ما دار بينهما , حتى مجيئها للبيات عند داليا , و اختتمت حديثها و هى تقول : قوليلى بقى رأيك فى كل حاجة من الأول للآخر .. ثم سكتت لتلتقط أنفاسها و تستمع لرأى داليا
داليا : شوفى بقى يا ستى .. من وصفك لخالد واضح انه بيحبك بجد و انه راجل بمعنى الكلمة .. و كفاية إحساسك بحنانه .. انتِ محتاجة للحنان و الحب ده أوى يا زوزو .. يمكن ربنا بعتهولك علشان يعوضك عن اللى شفتيه .. أما بقى انه طلع كمان جدع كدة و بيفضح بلاوى الخونة المتآمرين دول و مش هامه انه يعرض حياته للخطر .. فده ما يتسابش يا حبيبتى .. المهم ياخد باله كويس أوى لأن الناس دول مش سهل أبداً .. دول مافيا و قتالين قُتَلى .. أنا رأيى انه حتى بعد نشر الموضوع يفضل مختفى شوية كمان لحد ما ربنا يخلصنا منهم .. ما حدش يعرف رد فعلهم على النشر هايكون ايه
سوزان : أنا كمان قلقانة و خايفة عليه أوى
داليا : ان شاء الله كل حاجة هاتبقى زى الفل .. قومى بقى نامى و ارتاحى , انتِ زمانك ميتة من التعب
قامت داليا و هى تجذب سوزان من يدها برفق , فقامت سوزان معها .. اتجها الى غرفة نوم داليا حيث أخرجت لها أحد بيجامتها و أعطتها لها , ثم رافقتها الى أحد الغرف المغلقة و فتحت الباب و أضاءت الأنوار و دخلت تتبعها سوزان .. كانت الغرفة واسعة و مفروشة بغرفة نوم مودرن أنيقة , ثم التفتت داليا الى سوزان و هى تأخذ طريقها للباب مرة أخرى و قالت
داليا : نامى بقى براحتك خالص , و لما تصحى اضربى الجرس اللى جنبك على الكومود هاتجيلك سيهام .. انتِ فاكراها طبعاً .. تعملك الفطار اللى نفسك فيه .. و لما تخلصى فطار تعاليلى برة هاتلاقينى قاعدة فى البلكونة مستنياكى .. تصبحى على خير يا حياتى
قالت ذلك و قبلت سوزان و احتضنتها , ثم خرجت و أغلقت الباب خلفها

صفحة من مذكرات امرأة عاشقة
 (18)

............. تَمرّد .............

أمضت سوزان أياماً فى منزل صديقتها داليا , قضتها بين الحديث مع داليا و بين متابعة ما يُنشر فى الصحف و ما يُذاع فى التليفزيون من برامج تتناول الأحداث المتصاعدة الجارية فى البلاد .. و عندما يأتى الليل كانت تقضى الساعات فى التحدث مع خالد فى التليفون , يتبادلان فيها الغرام , و يرتبان لحياتهما معاً بعد انتهاء الظروف الغريبة التى يعيشانها .. حلما سوياً بالبيت الذى سيجمعهما و كيف سيملآنه بالدفء و الحب ليعوضا بعضهما عن سنوات الوحدة و الحرمان 
تحدثت مع داليا كثيراً عن حياة كل منهما و ما يشغلهما من هموم و مشاكل .. و تركز الحديث أكثر حول خالد و الخطر الذى يتعرض له بعد اكتشافه تجسس الجماعة على مكالمات المسئولين .. و تطرقا لما يدور فى مصر من أحداث مؤسفة تهدد البلاد بالانقسام و التفتت على يد جماعة كانت داليا ترى , كما يرى أغلبية الشعب , أن لا همّ لهم الا التمكن من مفاصل الدولة و القضاء على كافة المعارضين لهم .. و أشارت داليا الى اشتراكها فى حملة "تمرد" , و أنها تقوم بطبع و توزيع الاستمارات و جمع التوقيعات , و أنها بحكم اشتراكها و قربها من اللجنة المنظمة للحملة , تتوقع ان تكون نهاية حكم الاخوان قد اقتربت باقتراب يوم 30 يونيو الذى حددته حملة "تمرد" .. ثم سألت سوزان
داليا : الا صحيح انتِ مضيتى على استمارة تمرد و الا لأ ؟
سوزان : مضيت طبعاً من زمان , و خليت كل أصحابى و قرايبى يمضوا هما كمان
داليا : برافو عليكى .. كلها كام يوم و نخلص منهم ان شاء الله
سوزان : يا رب يا داليا
داليا : طمنينى , ايه أخبار خالد ؟ لسه ما حددوش هاينشروا الموضوع امتى ؟
سوزان : لأ خلاص قرروا ينشروه بعد بكرة , و فى نفس اليوم رئيس التحرير و معاه مجموعة محامين هايقدموا بلاغ للنائب العام و يرفقوا معاه كل الأدلة و منها السى دى اللى عليه برنامج التجسس و المكالمات اللى اتسجلت و العنوان الاليكترونى اللى كانت التسجيلات بتروح عليه .. و من تانى يوم هايبدأوا حملة صحفية مستمرة على الموضوع و هاتشترك فيها جريدتين تانيين , علشان يعملوا ضغط من الرأى العام و النائب العام ما يقدرش ينيم الموضوع
داليا : هايل .. و ما بتقوليش ليه من بدرى و تفرحينى .. أهو كدة بقى يبقوا يوم 30 يونيو ماشيين ماشيين و كمان رايحين السجن ان شاء الله
سوزان : يا رب يا داليا الأيام دى تعدى على خير .. أنا خايفة على خالد أوى
داليا : ما تخافيش يا بنتى .. على ما الموضوع يتنشر و الرأى العام يتحرك هانكون شلناهم من الحكم و غيرنا النائب العام , و ساعتها النائب العام الجديد يقبض على كل اللى مشتركين فى القضية و ما يبقاش فيه حد تخافى منه
قالت ذلك و هى تحتضن سوزان بعد أن رأت دموعها تسيل على خديها
داليا : بلاش عياط يا عبيطة , بكرة كل حاجة تبقى زى الفل ان شاء الله
تنهدت سوزان تنهيدة حارة طويلة , و استأذنت صديقتها لترتاح قليلاً فى غرفتها .. ما أن دخلت سوزان غرفتها حتى ألقت بنفسها على السرير و هى شاردة الذهن .. كانت الأفكار تتضارب فى عقلها , و معها تتقلب مشاعرها بين الخوف من غد مجهول و الأمل و الرجاء فى مستقبل آمن مطمئن مع حبيبها و زوجها , لو سارت الأمور كما تحلم و تتمنى .. بعد قليل من الراحة شعرت برغبة شديدة فى أن ترى خالد , فأمسكت بالتليفون و اتصلت به .. رنات قليلة و جاءها صوته الدافئ الحنون 
خالد : آلو
سوزان : آلو .. ازيك يا خالد .. وحشتنى
خالد : ازيك يا حبيبتى .. انتِ وحشتينى أكثر 
سوزان : أنا عاوزة أشوفك .. حاسة انى بقى لى كثير اوى ما شفتكش
خالد : و الله أنا اللى نفسى أشوفك .. هانت كلها كام يوم و نبقى مع بعض على طول ان شاء الله
سوزان : طيب ايه رأيك نتقابل و نقعد مع بعض شوية .. عاوزة أتكلم معاك فى حاجات كثير
خالد : انتِ عارفة أنا مش عاوز أخرج لحد ما نخلص من الموضوع ده
سوزان : احنا مش هانروح نقعد فى كافيه و لا حاجة .. انت تيجى هناعند داليا و نقعد مع بعض براحتنا و أهو البيت قريب منك جداً .. كلها كام شارع داخلى بس , و كمان احنا بالليل يعنى ماحدش هاياخد باله منك
خالد : أوكى يا حبيبتى .. انتِ وحشانى جداً , و أنا زهقت من القعدة فى البيت .. قوليلى العنوان بالضبط و أنا نص ساعة و أكون عندك
سوزان : لأ أنا هاخد عربية داليا و أعدى آخدك .. اجهز انت و أنا هاكلمك و أنا نازلة
خالد : أوكى يا حبيبتى 
أغلقت سوزان الخط و قامت فأخبرت داليا بما اتفقت عليه مع خالد , التى رحبت بالفكرة و قالت : فرصة اتعرف على حبيب القلب اللى خرجك من القوقعة 
غيرت سوزان ملابسها و أخذت مفاتيح السيارة من داليا و نزلت .. كان الليل قد حل و اعتدلت حرارة الجو مع نسمة هواء الأسكندرية المنعشة .. اتجهت سوزان للسيارة فركبتها و أدارت الموتور و فتحت الراديو .. أخذت تبحث فى المحطات المختلفة و توقفت عندما انبعث صوت محمد فؤاد بأغنية طمنى عليك .. قادت السيارة و هى تستمع الى كلمات الأغنية بتأثر شديد 
من يوم بُعدك و أنا قلبى مكسور و حزين .. محتار مش عارف الدنيا واخدانى لفين
وصلت الى منزل خالد و ما زال صوت محمد فؤاد يتغنى بالكلمات التى حركت كل مشاعرها و شوقها لخالد .. خفضت صوت الراديو و اتصلت بخالد و أخبرته أنها تقف أمام المنزل .. دقائق قليلة و رأته يخرج من باب العمارة و على وجهه ابتسامة جميلة و يتلفت يميناً و يساراً بحثاً عنها حتى التقت عيناهما .. لم تتمالك نفسها , ففتحت باب السيارة و خرجت اليه راكضة .. و صلت اليه و هو يعبر الشارع الخالى من المارة , فألقت بنفسها فى أحضانه .. غابا فى عناق حار لثوانى حتى قطعه خالد .. استسلمت له و هو يسير بها نحو السيارة و يفتح لها الباب حتى ركبت , و استدار و ركب من الباب الآخر

هشام الزيات

3 comments:

  1. We never stop dreaming and we never know what is waiting for us on the other side of the river.

    ReplyDelete
  2. There are suffering and defeats in life. no one can avoid them but it is better to lose some of the battles in the struggle of our dreams than to be defeated without knowing what we are fighting for.

    ReplyDelete
  3. مهندس هشام ...
    قرأت القصة وفعلاً حوار شيق ...
    لكني كنت بحاجة لمعرفة نهايتها ..
    فلا زلت متابع حتى صفحة 17 وماذا بعد ؟؟؟

    ReplyDelete